راحة بالك

ضغوط الحياة وأساليب مواجهتها

من أكثر الموضوعات التي ينبغي الاهتمام بها، موضوع كيفية مواجهة ضغوط الحياة. فهذا الموضوع على قدر كبير جداً من الأهمية؛ لأنه أمر من الأمور التي تقع بشكل شبه يومي، كما أننا في خلال الفترة الحالية نواجه الكثير من المواقف الضاغطة، تتضمن خبرات غير مرغوب فيها، وأحداث تنطوي على الكثير من مصادر القلق وعوامل الخطر والتهديد في كافة مجالات الحياة.

وهذه الضغوط، والمواقف المسببة لها، أثرت علينا جميعاً، وأصبحنا نعيش في عصر يتسم بالضغوط والأزمات النفسية، ويبدو أن الحياة السهلة الميسورة – كما كانت في العقود الماضية – قد انتهى عصرها، فظروف الحياة قد تعقدت بشكل كبير، وهناك تغيرات اجتماعية واقتصادية من الصعوبة ملاحقتها.

وبدأت تظهر أشكال وأنماط من السلوك السلبي، التي يمكن ارجاعها إلى اضطرابات العلاقات الإنسانية، ونقص مهارات الفرد لمواجهة المواقف الضاغطة والتعامل معها، وهي مهارات مواجهة مواقف الحياة الضاغطة، أي coping skills. ونظراً لعدم توفر هذه المهارات بشكل كاف، وهي القادرة على مساعدتنا في مواجهة الضغوط المختلفة، فإنه لا توجد لدينا أيضاً ثقافة المواجهة بشكل كاف لنتمكن من مواجهة الضغوط المختلفة في حياتنا.

لذا، فيمكننا القول أننا نعاني من أمر شديد التعقيد في حياتنا، ونتيجة لاضطراب العلاقات الإنسانية، فإننا نجد أنفسنا ننعزل وننطوي على أنفسنا، بل قد يصل إلى حالة من النفور من الآخرين، باعتباره اجراء وقائي يحمينا من ضغوط عديدة نحن في غنى عنها.

مجلة الجميلات والشرق

ومن ناحية أخرى، نجد أن مواقع التواصل الاجتماعي، أو السوشال ميديا، أصبحت مصدراً من مصادر الضغط النفسي، كما أنه فور غياب الهاتف المحمول من أيدينا أو انقطاع الاتصال بشبكة الانترنت بسبب عطل ما، فنجد أنفسنا غير قادرين على ولوج صفحات الفيسبوك أو الانستجرام أو تويتر أو غيرها، فإن هذا يسبب لنا نوعاً آخر من أنواع الضغوط.

ولكل منا نمط من أنماط التعامل مع الضغوط الذي قد يختلف عن الآخرين؛ حيث أن أسلوب الإنسان في مواجهة الضغوط تختلف من فرد إلى آخر، نظراً للفروق الفردية في شخصيات الأفراد. فلكل شخص شخصية فريدة من نوعها، فلا يوجد شخصية مماثلة لأخرى. وإذ تختلف كل شخصية عن غيرها، فإن مواجهة ضغوط الحياة أيضاً تختلف من فرد إلى آخر، فأسلوب كل فرد في المقاومة مختلف عن الآخر، وبالتالي هناك أنماط مختلفة من السلوك بناء على شخصية كل فرد، والتي لا يمكن الحكم عليها من حيث صحتها أو خطأها.

وقد شغل موضوع مواجهة ضغوط أحداث الحياة الكثير من الباحثين والدارسين في السنوات الأخيرة، وأصبح من الضروري على الناس أن تتفهم كيفية التعامل مع المواقف الضاغطة في حياتهم، ومحاولة معرفة هذه الأساليب لحل المشكلات والتعامل معها لمواجهة الأزمات الحياتية يحتاج – في الواقع – إلى تدريب، يكون الهدف الأساسي منه هو مواجهة الموقف والتوافق معه؛ ليتمكن المرء من تحقيق الصحة النفسية المنشودة.

أما تنمية مهارات الفرد في مواجهة الضغوط والقدرة على السيطرة عليها، فيعتمد على الإدارة الناجحة للضغوط، أي كيف يمكن لنا أن ندير هذه الضغوط، ونجعلها طيعة لنا. فضغوط الحياة قد ترتبط بشكل كبير بالاضطرابات النفسية والجسدية التي يتعرض لها الفرد. لذا فإن مصادر المواجهة coping resources التي يستقي منها الفرد تعد بمثابة عوامل تعويضية، تساعدنا في الاحتفاظ بالصحة النفسية والجسدية معاً، بشرط أن يكون الفرد على وعي بكيفية التحمل، والاستراتيجيات الملاءمة الضرورية لمعالجة موقف ما، وكيفية اختيار الأنسب من بينها.

لذا يجب أولاً تعريف الضغط، فهو يتمثل في المثيرات الخارجية للحياة، أو النزعات والرغبات والأفكار الداخلية التي تتطلب من الفرد التوافق أو التكيف. وتتضمن الضغوط أشياء كثيرة جداً،  منها التلوث في المدينة، منها الاختناقات المرورية، منها ضغوطات مكان العمل، منها الأبناء، منها العلاقات الأسرية، منها الضغوطات المالية، منها تهديد الطبيعة مثل الزلازل وغيرها، أي أن الضغوط قد تأتي من البيئة الخارجية، أو قد تأتي أيضاً من صراعاتنا الداخلية. والأمر المهم هنا أن نتمكن من مواجهتها.

وهناك عناصر كثيرة جداً تسهم في جعل الضغوط من مثيرات التوتر العصبي الشديد، أهمها مقدار سيطرة الفرد على عوامل الضغط، ومدى احساسه بوجود اختيار أو رغبة في التعرض لهذه الضغوطات. ومن ثم فإنها تحدد استجاباتنا نحو مصادر الضغط، والتفكير في العوامل المسببة في الضغوط يساعد في أن نصبح أكثر ادراكاً لتنوع الضغوط في حياتنا، وبالتالي يتم اختيار أفضل أساليب المواجهة أو التعامل.

ما هي مراحل مقاومة ضغوط الحياة؟

وهناك ثلاثة مراحل تمثل رد الفعل أثناء مقاومة الفرد لضغط الحياة تسمى مراحل أعراض التكيف العام أو التوافق العام general adaptation symptoms، وهي كالتالي:

أول مرحلة التكيف، أي أثناء مقاومة الفرد لضغط الحياة، وهي مرحلة التفاعل مع التنبيه، والفرد في هذه المرحلة يتفاعل مع مصدر الضغط.

المرحلة الثانية هي مرحلة المقاومة، حيث يحاول الفرد مقاومة مصدر التهديد، بكل ما يملك من طاقة جسمية ونفسية.

أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة الانهاك، حيث تستنزف طاقة الفرد، ويصبح الفرد معرض لمشكلة سوء التوافق والاصابة بالاضطرابات والأمراض.

أحداث الحياة الضاغطة، إذاً، وضعف قدرة الفرد على التحمل والمقاومة، ونقص مهارات التعامل مع الضغوط، تجعل الفرد عرضة للاصابة بالانهاك ومشكلات سوء التوافق النفسي والاجتماعي، التي قد تسبب له التوتر والخوف والصراع والوحدة والاكتئاب وما إلى ذلك.

مجلة الجميلات والشرق

ما هي أساليب مواجهة ضغوط الحياة؟

تعددت تصنيفات علماء النفس لأساليب مواجهة ضغوط الحياة، فقسمها بعض الباحثين إلى استراتيجيتين رئيسيتين، بينما يصنفها البعض الآخر من الباحثين إلى استراتيجيات انفعالية وتجنبية وأدائية.

تتمثل الاستراتيجيتان الأساسيتان في:

الاستراتيجية الانفعالية في المواجهة – وهي غير مستحبة، حيث يلجأ الفرد لردود الأفعال الانفعالية في مواجهة الضغوط، ومنها التوتر والشك والغضب والانزعاج.

الاستراتيجية المعرفية في المواجهة Cognitive Coping Strategies – وهي استراتيجية هامة للغاية، حيث يلجأ الفرد إلى اعادة التفسير الإيجابي، والتخيل المنطقي، وأنماط التفكير الرغبي، والنشاط التخيلي.

ومن هذه الاستراتيجيات المعرفية الهامة للغاية، التفكير العقلاني، حيث يلجأ الفرد للتفكير المنطقي، والبحث عن أسباب الضغط، والتساؤل عما إذا كان الفرد قادراً على التغلب على هذا الضغط.

ومن الاستراتيجيات الأخرى، التخيل، حيث يتجه الفرد إلى التفكير في المستقبل، كما أن له قدرة كبيرة على تخيل ما قد يحدث بعد مرور فترة من الزمن.

وهناك أيضاً استراتيجية حل المشكلات، وهي نشاط معرفي، حيث يتجه الفرد إلى استخدام أفكار جديدة ومبتكرة لمواجهة الضغوط، وهذا ما يسمى باسم القدح الذهني brainstorming.

كما يمكن أيضاً استخدام الحس الفكاهي، وهي استراتيجية تتضمن التعامل مع الضغط والأمور الخطيرة ببساطة وبروح الفكاهة وبالتالي يتغلب عليها، كما أنها تؤكد على الانفعالات الايجابية أثناء مواجهتها.

أما التصنيف الآخر لاستراتيجيات المواجهة، فيتضمن أيضاً الاستراتيجية الانفعالية (كما أوضحنا عاليه)، بالاضافة إلى استراتيجيتين أخريين هما:

الانكار denial، فهو عملية معرفية، يسعى من خلالها الفرد إلى انكار الضغوط ومصادر القلق، ويتجاهلها، وكأنها لم تحدث على الاطلاق.

ويلجأ بعض الأفراد إلى أسلوب التوجه نحو التجنب avoidance-oriented، أي يحاول الفرد الانسحاب من الموقف لكي لا يتعرض للضغوط، وهو أسلوب احجامي في التعامل مع المواقف الضاغطة.

أما الأسلوب المستحب فهو ما يعرف باسلوب التوجه نحو الأداء task-oriented، حيث يحاول الفرد اقتحام الضغط في محاولة للتعامل مع المشكلة، والتفكير فيها بشكل عقلاني وواقعي، ويستخدم أسلوب المعرفة بحيث يستفيد من الخبرات السابقة، ثم يقترح البدائل لكي يتمكن من التغلب على المشكلة ويضع خطة فورية لمواجهتها.

لا شك أن أفضل أسلوب للتعامل مع ضغوط الحياة هو الأسلوب المعرفي الذي يعتمد على عمليات الاقتحام للضغط النفسي، ويحاول على قدر الامكان  التغلب على المشكلة.

مجلة الجميلات والشرق

وننصح كل شخص يعاني من ضغط نفسي أن يطلب المساعدة النفسية والاجتماعية، وأن يبني علاقاته الاجتماعية الجيدة التي يمكنه الارتكان عليها أثناء الأزمات والأحداث غير السارة، كما ينبغي العمل على تنمية الفعالية الذاتية، حتى يتمكن من تقييم الموقف وبذل المجهود ويشجع نفسه على عملية اقتحام الموقف الضاغط والتغلب عليها.

بواسطة
مايسة النيال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى