المرأة الفلسطينية

المرأة الفلسطينية والانتفاضة الأولى

أخبرت عمي الكبير، رحمه الله، ذات يوم أني أحلم بالمشي في مظاهرة حقيقية لها أهداف ومطالب مشروعة، وكنت حينذاك في سن المراهقة ومُتأثرة بالمظاهرات التي كان يقوم بها طلاب المدارس والجامعات لمناصرة القضية الفلسطينية، فرد عليّ رد غريب جدا أدهشني، فقال: “البنت اللي تمشي في مظاهرات ديه بنت صايعة!” وكأنه يريد أن يقول لي العبارة المصرية القديمة الشهيرة “بنات العائلات المحترمات ميعملوش كده”.

ولكن هذا الرد متوقع من عمي الذي كان رجلا محافظا، ضيق الأفق، وذا نظرة ذكورية تجاه المرأة، ويلتزم بالعادات والتقاليد بشكل أعمي ودون تفكير. إن الرجل الذي يمشي في المظاهرات ينظر إليه المجتمع كبطل ومناضل وطني، مثله مثل سعد زغلول وأحمد عرابي. أما المرأة المُتظاهرة المُحتجة، يعتبرها المجتمع مُنحلة وقليلة الأدب والتربية.

وهناك نساء كثيرات في التاريخ كسرن هذه القاعدة، ومنهن النساء الفلسطينيات البطلات اللاتي لعبن دورا هاما في الإنتفاضة الأولي، وفي الكثير من المواقف الأخري. وللعلم لم تأتي الإنتفاضة الأولي من فراغ، بل كان لها أسبابها ومطالبها، وعاني الشعب الفلسطيني من إنتهاكات حقوق الإنسان في هذه الإنتفاضة. ولكن برز دور المرأة الفلسطينية، وأثبتت وجودها من خلال النضال ومناصرة الرجل الفلسطيني، والعمل معه جنبا إلي جنب. ودفعت ثمناً غاليا مقابل نضالها وكفاحها الأسطوري.

إنطلاق شرارة الإنتفاضة الأولي

إنطلقت شرارة الإنتفاضة الأولي عام 1987، وكان ذلك في جباليا في قطاع غزة، عندما قام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمال الفلسطنيين، مما أودي بحياة أربعة أشخاص وجرح أخرين. ولم تكن هذه الحادثة الأولي من نوعها، فكان الشعب الفلسطيني – ومازال – يرزخ تحت جرائم الإحتلال وإنتهاكات حقوق الإنسان، ولكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. وبعد هذه الحادثة قرر الشعب الفلسطيني أن ينتفض ضد العدوان والظلم والتشريد واللجوء، وقرر أن يقاوم بكافة شرائحه من أطفال ونساء ورجال وشيوخ.

مطالب الإنتفاضة الأولي

شهدت الإنتفاضة الأولي مظاهرات إحتجاجية عارمة ضد الإحتلال وممارساته المجرمة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وإمتدت هذه المظاهرات إلي كامل الأراضي المُحتلة بعد أن بدأت في جباليا البلد، وأُطلق علي هذه الإنتفاضة إنتفاضة الحجارة؛ لأن الحجارة كانت الأداة الرئيسية فيها. ولم تكن الإنتفاضة مجرد وقفة إحتجاجية أو حركة عصيان مدنية، بل كان لها أهداف مشروعة ومنها: إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وتمكين الفلسطنيين من تقرير مصيرهم، وتفكيك المستوطنات، وعودة اللاجئين دون قيد أو شرط ، وتقوية الإقتصاد الفلسطيني، وإخلاء سبيل الأسري الفلسطنيين والعرب من السجون الإسرائيلية.

معاناة الشعب الفلسطيني أثناء نضاله في الإنتفاضة الأولي

قدم الشعب الفلسطيني الكثير من التضحيات أثناء نضاله وكفاحه في الإنتفاضة الأولي فقد زُهقت الكثير من الأرواح وسقط عدد كبير من الجرحي وتم الزج بعدد كبير من المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وهذا ليس كلام مُرسل، ولكن تؤكده الإحصائيات بالحقائق المُثبتة والأرقام. فتقدر حصيلة الضحايا الفلسطنيين الذين تم القضاء عليهم علي أيدي القوات الإسرائيلية أثناء إنتفاضة الحجارة بحوالي 1162 شهيد، بينهم حوالي 241 طفلا ونحو 90000 جريح ومُصاب، و15000 مُعتقل، فضلا عن تدمير ونسف 1228 منزلا وإقتلاع 140000 شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية.

دور النساء في الإنتفاضة الفلسطينية الأولي

كان للنساء الفلسطينيات بصمة واضحة في أحداث إنتفاضة الحجارة منذ إندلاعها، وهناك مئات من القصص البطولية النسائية اليومية المليئة بصور المقاومة والتصدي والمعاناة والتضحية، والتي تحتاج للكثير من المقالات للكتابة عنها، ولكني سأذكر بعض من هذه القصص الأسطورية.

منها أن أثناء الإنتفاضة كان للنساء دور فعال في تشكيل اللجان الشعبية علي مستوى الأحياء التي كانت تقدم للجمهور الخدمات المختلفة في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الإجتماعية، وكذلك في أشكال النضال المختلفة المباشرة وغير المباشرة لمواجهة الإحتلال. والمدهش هو قيام النساء بتخليص الأطفال والشباب في القري والمخيمات والمدن من أيدي جنود الإحتلال.

الثمن الغالي الذي دفعته النساء الفلسطينيات مقابل النضال

يخبرنا التاريخ أن المطالبة بالحرية والقتال من أجلها له ثمن غالٍ يدفعه أي مناضل، فمن الممكن أن يخسر حياته وحياة عائلته ومن يحبهم، وهذا ماحدث لنساء فلسطين أثناء نضالهن في الإنتفاضة الأولي، فتم تعذيبهن وإعتقالهن، وهذا ماقالته الإدارة الإسرائيلية حينذاك عندما أدركت خطورة المرأة الفلسطينية في هذه الحرب. فقالت: “إن الحرب هي الحرب، وإن للنساء الفلسطينيات دور فعال في الإنتفاضة؛ لذلك لابد من إعتقالهن وتعذيبهن، إذا لزم الأمر، لنزع الإعتراف منهن.”

المرأة هي المرأة في كل مكان. فلديها دائما حس وطني وقدرة علي النضال والتضحية إن لزم الأمر، والمرأة الفلسطينية هي مثال مُشرف للمرأة القوية المناضلة الشريفة، ومافعلته في الإنتفاضة الأولي هو صورة من صور نضالها اليومي الذي لا يهدأ ولا يتوقف، والإنتفاضة الأولي تستحق الإشادة والإعجاب فلها أسبابها ومطالبها المشروعة، ومن أجلها حارب الشعب الفلسطيني بكل قوته وعاني الأمرين من جرائم الإحتلال.

وعانت المرأة الفلسطينية أيضا ودفعت ثمن نضالها وكفاحها.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى