راحة بالك

الكسل الإيجابي

الحياة صعبة وبها تحديات يومية هائلة، وكل منا تضج حياتها بمشاكل شخصية، أو مشاكل بالعمل، أو حتى المشاكل العادية المرتبطة بحياتنا اليومية، مثل إعداد وجبات للأسرة، أو تنظيف المنزل، أو العناية بالأسرة والأولاد.

وإيقاع حياتنا سريع، فكل شيء أصبح سريعاً: إيقاظ الأولاد للمدرسة يتم بسرعة فائقة، الجري والسعي للوصول إلى العمل، يتم أيضاً بسرعة فائقة، حتى عندما نتناول وجبة ما، نأكلها وكأننا في مسابقة، ونحتسي الشاي أو القهوة سريعاً، فأصبحت الحياة دوامة من المهام التي لا بد من اتمامها، والكل لديه قائمة مهام (Checklist).

وتقاس النجاحات بكم الانجازات وبكمية اتمام هذه المهام. نسابق الزمن، بل ونسابق أنفسنا، حتى ينقطع النفس، ونجد أنفسنا تعيسات منهكات. لم نستمتع ولم نسعد، دوامة لا تنتهي من الجري والسباق، الذي يزيد من تعاستنا، وتوترنا.

روشتة للكسل

ولكن، العلماء والاطباء اكتشفوا حلاً لهذه المعضلة. حلاً بسيطاً لا يكلفك الكثير. بل على العكس، إنه حل مجاني. روشتة للكسل! نعم .. الكسل! كوني هذه الكسولة، المتباطئة.

لابد من إعادة توجيه عقلك، وإعطائه أوامر لم يعتادها. حدثي نفسك بهدوء، وتكاسل: “سأقوم باحتساء القهوة ببطء، وسأستمتع بنكهة قهوتي، وملمس قهوتي. سأستمتع بدفء الفنجان، وطعم كل رشفة. سأخلي عقلي وأفرغه تماماً من كل شيء إلا قهوتي.”

وعندما أقوم بالاستحمام أو أخذ الشاور، “سأستمتع بكل لحظة. سأستشعر دفء المياه وملمسها على جسمي. وسأستنشق رائحة الصابون، وجمال الرائحة، وأخلي عقلي تماماً من المشاغل والمشاكل. مشاكل العمل، ومشاكل البيت، ومشاكل الأسرة.”

هذه الممارسات البسيطة، لن تكلفك، يا سيدتي، مالاً أو وقتاً، فما هي إلا ما يعرف حالياً بالتركيز الكامل للذهن، أي mindfulness، وهو ببساطة شديدة، ممارسات يومية، لا تستدعي أكثر من عشرة دقائق في اليوم الواحد. عشرة دقائق للاستمتاع باللحظة والتركيز على “الآن” here and now.

فقد أثبتت الدراسات الحديثة، أن هذه الممارسات البسيطة، والمأخوذة عن حكمة القدماء، والحضارات القديمة، تريح العقل وتجدد النشاط، وتقلل من الضغوط والتوتر الذي أصبح متلازماً ولصيقاً بنا.

ابدأي بعشرة دقائق يومية. ابدأي سيدتي بالراحة والهدوء. استمتعي بكوب الشاي، واستشعري صوت المياة وانتبهي له، واستشعري ملمس الصابون. اختلسي عشرة دقائق، ثم عشرين، حتى تصلي إلى نصف الساعة في يومك المشحون.

لتستمعي بمشاهدة العصافير، والانصات لجمال تغريدها! استنشقي أريج الزهور! وأطفئي التلفزيون! لا تتابعي الأخبار المتلاحقة والمريعة. اتركي هاتفك الجوال، حتى تصلي إلى نصف ساعة في اليوم. لا تهرولي – امشي! امشي بهدوء للتركيز على جمال اللحظة وكسلها. واستمعي إلى خطواتك، وراقبيها. راقبي صوت الحذاء. استمتعي بما يدور حولك، وأنت تتنزهين بهدوء.

كوني هذه الكسولة لمدة نصف ساعة في اليوم. نصف ساعة! من يومك المشحون. كوني هذه الكسولة المتفاءلة السعيدة. كوني هذه الكسولة التي تعيش اللحظة. امشي وتأملي وتدبري. كوني كسولة واستمتعي بمطبخك، واستمتعي بمنزلك.

كوني كسولة لتسعدي

لا تعتبري إعداد الطعام عبئاً. لنحاول التركيز في عملية الطبخ والإعداد، فنستمتع بإعداد الطعام، حتى وإن كانت وجبة بسيطة. لا تستعجلي. تأملي مكونات الوجبة. ألوان الوجبة. تأملي الخطوات ببطء وكسل. نعم، كوني هذه الكسولة – Slow down!. استمتعي بالنكهة والرائحة. استمتعي بالأواني، وبالطبق المزين. اقتني لوحة جميلة وتأمليها. لا تركزي إلا في ألوانها وجمالها. عيشي مع هذه اللوحة ولو دقائق يومياً.

عندما تقومين بغسل المواعين – وأنا أعلم جيداً أنها من المهام الثقيلة على النفس – حاولي أن تغيري نظرتك لهذه المهمة “السخيفة”، فالدقائق التي تستغرقينها مع الأطباق والاكواب، يمكن أن تتحول إلى دقائق لطيفة. وبالفعل، أنا شخصياً نجحت في تحويلها لذلك. فكلما قمت بأداء هذه المهمة، أقوم بتنظيفها وأنا أركز على  انسياب الماء وشكله، وحركة يداي، وأنا أحول كل طبق لحالة جديدة. استشعر ملمس المياة، وسائل المواعين، وأركز على رغوة الصابون، وأركز بهدوء وببطء. استمتع بعد خمس دقائق بالعملية السحرية التي حولت وبددت الكوب والأطباق إلى هيئتها الجديدة والنظيفة والجميلة. لا أتذمر، لا أصرخ كما كان سابق عهدي مع هذه المهمة.

كوني كسولة … ولا تتوتري … كوني كسولة لتسعدي وتهدي.

بواسطة
نهاد هليل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى