
الجهل والفقر
الجهل والفقر
أتذكر جيدا عندما كتبت في روايتي الأولي “ريم و بلال” جملة عن الجهل والفقر تقول: “الجهل والفقر مصيبة تصيب العقول قبل الأبدان.”
و في حقيقة الأمر، لا أتذكر جيدا الموقف الذي جعلني أكتب مثل هذه المقولة، ولكني أعي جيدا حتي هذه اللحظة التي أكتب فيها الأسباب الواقعية التي شجعتني على كتابة مثل هذا الكلام الجاد الفلسفي، فأنا أؤمن بشدة أن الجهل والفقر من أسباب انهيار المجتمعات وفسادها.
وبالرغم من أنني لم أدرس علم الإجتماع، ولكني أستطيع أن أُعرف الفقر والجهل، وبإمكاني الحديث عن تبعات الجهل والفقر المُدمرة علي المجتمعات. وسأشرح أيضا الأسباب القوية التي حثتني على الشروع في تناول مثل هذا الموضوع الشائك. وسأختتم كلامي بتقديم عدة نصائح للمجتمع للتخلص من الجهل والفقر حتي ترتقي المجتمعات وتزدهر.
ما هو الجهل؟ الجهل ببساطة و من منظوري الشخصي هو غياب التعليم الجيد والمعرفة بكل شيء بدءأً من أبسط الأمور و حتي الأمور الأكثر تعقيداً وجدية، ويشمل الجهل أيضا غياب الفهم الصحيح للدين، ويمتد ايضا ليصل إلي عدم القدرة علي فهم إحتياجات المرأة والرجل والعلاقة بينهما.
والجهل يتعلق أيضا بالجهل بكل مايتعلق بتربية الأبناء وتوجيههم التوجيه الصحيح الذي يساعدهم علي فهم الحياة وعيش حياة كريمة وسوية خالية من العقد النفسية.
وبسبب الجهل نواجه، في نهاية الأمر، مجتمعاً مُظلماً مريضاً في حاجة لمن يأخذ بيده ليرشده إلي طريق العلم والتنوير. الجهل ليس مصيبة المجتمع الوحيدة فهناك أيضا مصيبة الفقر الكبري.
و بالنسبة للفقر، فهناك أنواع عدة من الفقر، كالفقر المادي والفقر المعنوي والفقر الفكري. وفي رأيي فإن الفقر المادي هو أكثر أنواع الفقر شيوعا في المجتمعات النامية، وهو أكثرها خطورة بسبب عدم قدرة الفرد علي تلبية إحتياجاته الأساسية.
ويتسبب الفقر المادي في القضاء علي أحلام الفرد وطموحاته لأن كل شيء في الحياة يتطلب المال الوفير والفقر المادي يمهد الطريق للفقر المعنوي والفقر الفكري.
وبسبب خطورة الفقر و الجهل معا وجب علي أن اتحدث بإيجاز عن التبعات المُدمرة للجهل و الفقر.
بسبب الجهل و الفقر تنتشر الأمراض النفسية مثل الإكتئاب والأرق لتصبح سمة من سمات العصر الحديث، وتنتشر أيضا الأمراض العضوية الجسدية، مثل الأنيميا بسبب سوء التغذية و أمراض القلب و إرتفاع ضغط الدم، بسبب الحالة النفسية السيئة التي تؤثر بدورها علي كفاءة أعضاء جسم الإنسان.
وبسبب الجهل و الفقر أيضا تنتشر الأمراض الأخلاقية مثل الكذب والنفاق والغش والخداع والمحسوبية وغياب الضمير والشرف والمباديء والمُثل العليا.
و فيما يلي بعض الأفكار البسيطة العملية للقضاء علي الجهل والفقر.
أولاً، يجب دراسة مشاكل التعليم في الدول النامية الفقيرة والإستعانة بخبراء في التعليم من الدول المتقدمة التي نجحت في نشر التعليم والنهوض به في مجتماعاتها الراقية حتي حققوا نجاحاً باهراً في تجاربهم مع التعليم.
ثانيا، يجب إنشاء العديد من المدارس والجامعات والمكتبات العامة لنشر المعرفة والعمل علي إنارة العقول الضيقة المظلمة.
ثالثا، يجب حل مشكلة البطالة ورفع أجور العاملين و أصحاب المعاشات.
رابعا و أخيرا، يجب الإهتمام بالصحة وبناء المستشفيات والمعامل والحرص علي تعليم الأطباء وإرسالهم لمؤتمرات طبية ومنح دراسية بالخارج حتي يجلبوا العلم والتقدم لمجتماعاتهم عندما يعودوا لأرض الوطن.
وفي الختام، لا نستطيع أن ننكر بعد كل هذا أن الجهل والفقر مشاكل يُستهان بأهميتها، فتبعات الفقر والجهل خطيرة ومُقلقة (إلي جانب أسبابي الشخصية للكتابة في مثل هذا الموضوع). ولكني أردد دائما أن لكل مشكلة حلول عملية تسهم في حلها والتخلص من مظاهرها المزعجة، وحاولت أن أقدم في هذا الموضوع بعض الحلول التي أجدها من وجهة نظري المتواضعة مُجدية، ولكن علي المتخصصين في مثل هذه الأمور إيجاد حلول أكثر عُمقا و نفعا للمجتمع.