بركة البيت

النسيان والذاكرة: ماذا يحدث مع التقدم في العمر؟

(1/2)

اعتدنا أن يزيد النسيان وتضعف الذاكرة مع التقدم في العمر، وقد يؤثر هذا عادة على قدرتنا في تذكر التواريخ المهمة، أو الأسماء، أو بعض الأحداث التي مرت بنا. إلا أن فقدان الذاكرة الذي قد يؤدي إلى إرباك الحياة اليومية للفرد، قد يمثل عرض من الأعراض الدالة على وجود مشكلة أكثر خطورة، ألا وهي إمكانية الإصابة بمرض أو اضطراب في الإدراك، مثل الخرف أو ألزهايمر. وهنا يصبح من الأهمية بمكان أن يتعرف أفراد العائلة مبكراً على المؤشرات الدالة على مثل هذه الإصابة وأعراضها، والقدرة على التمييز بين الشيخوخة الطبيعية والتدهور الإدراكي. فالاكتشاف المبكر يتيح تقديم الرعاية المناسبة وتحسين جودة الحياة للشخص المصاب والقائمين على رعايته.

ما هو التقدم الطبيعي في العمر؟

لا شك أن مع التقدم في العمر تطرأ بعض التغيرات على المخ والذاكرة، ولذا فمن الطبيعي أن ينسى كبار السن. إلا أن ما يندرج تحت توصيف “الطبيعي” هنا هو ألا يتكرر مثل هذا النسيان بشكل متواتر، بل ولا يؤثر بشكل ملحوظ على أداء الفرد لوظائفه الحياتية اليومية.

أي أن التقدم الطبيعي في العمر لا يتضمن بالضرورة فقداناً للذاكرة، أو الإصابة بالارتباك والتوهان، أو عدم القدرة على أداء المهام الحياتية اليومية. ومن ثم، فإن حدوث مثل هذا التدهور الجذري إنما يعد من أهم المؤشرات على أن هناك مشكلة أكثر عمقاً وإلحاحاً، يجب التعامل معها بشكل طبي وسريع.

وطبقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن ما لا يقل عن 55 مليوناً من الأشخاص في العالم يعانون من الخرف، وتتوقع المنظمة أن يرتفع هذا العدد، مع زيادة متوسط العمر المتوقع لسكان الأرض.

ولعل من أهم هذه المشكلات التي قد تصيب كبار السن، الإصابة بالخرف أو ألزهايمر.

ما هو الخرف؟

لا يمثل الخرف مرضاً بعينه، وإنما هو مصطلح لمجموعة من أشكال الإعتلال الإدراكي والتي تعيق الشخص من ممارسة حياته اليومية، وقد استبدل علماء النفس كلمة “الخرف” ليحل محلها مصطلح “اضطراب إدراكي عصبي رئيسي” Major Neurocognitive Disorder، خاصة لما ارتبط بكلمة الخرف من وصمات اجتماعية.

المؤشرات التحذيرية المبكرة للإصابة بالخرف

تلعب الأسرة دوراً محورياً في اكتشاف المؤشرات التحذيرية المبكرة لاحتمالات الإصابة بالخرف لدى كبار السن، لذا نقدم فيما يلي بعض السلوكيات والأعراض الرئيسة التي ينبغي ملاحظتها والانتباه إليها:

  1. النسيان يؤدي إلى إرباك الحياة اليومية:

من الطبيعي أن ينسى المرء موعداً محدداً، أو اسماً من الأسماء، إلا أن فقدان مستمر للذاكرة، كأن يسأل المرء ذات السؤال مراراً وتكرارا، أو لا يتمكن من استرجاع معلومة تعرف عليها مؤخراً، فإن هذا قد يشير إلى وجود مشكلة أكبر.

  1. الصعوبة في أداء المهام المعتادة:

من أعراض الإصابة بالخرف، أن يعاني الفرد من صعوبات بالغة في القيام بأنشطة يومية روتينية، منها على سبيل المثال طهي الطعام، أو إدارة مصاريفهم الشخصية، أو تناول الأدوية، على الرغم من أن هذه الأنشطة كانت تمثل مهاماً يومية يتم أدائها بنجاح.

  1. صعوبة التعرف على الزمان والمكان:

كثيراً ما يواجه الشخص المصاب بالخرف صعوبة في تحديد الوقت أو التاريخ أو الزمن لليوم الذي يعيشه، أو يواجه صعوبة أيضاً في التعرف على المكان الذي يتواجد فيه، أو كيفية الوصول إلى مكان ما.

  1. صعوبة تذكر كلمات بعينها أو متابعة حوار دائر:

إن الشخص المصاب بالخرف عادة ما يكثر التعثر في إيجاد الكلمات المعتادة للتعبير عن نفسه، أو الصمت أثناء الكلام، يجد صعوبة في متابعة حوار ما أو مناقشة موضوع ما، لذا تعد هذه من المؤشرات التحذيرية.

  1. وضع الأشياء في غير محلها:

على الرغم من أننا جميعاً قد ننسى أين وضعنا الهاتف المحمول أو النظارة أو المفاتيح، إلا أن تكرار وضع الأشياء في أماكن غريبة وغير معتادة، كأن يضع الشخص جهاز التحكم في التلفزيون في الثلاجة مثلاً، يعد من المؤشرات التحذيرية الواضحة أن الشخص ربما مصاب بالخرف.

  1. تغيرات في الشخصية أو الحالة المزاجية:

كثيراً ما ينجم عن الخرف تبدلات في السلوك، فنجد شخص اجتماعي، على سبيل المثال، وقد أمسى منطوياً، أو شخص كان يمتاز بالهدوء والرزانة، وقد انتابته فجأة حالات من القلق أو العنف.

  1. سوء الحكم على الأمور:

من الأمور التي قد تدل على حدوث تدهور إدراكي، القرارات غير المعهودة، أو إهمال النظافة الشخصية.

  1. الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية والحياتية:

من الأعراض التي ينبغي على أفراد الأسرة الانتباه إليها، الانسحاب التدريجي من كافة الاهتمامات السابقة في حياة الشخص المعني، ومنها على سبيل المثال، عدم الاهتمام بالهوايات، أو العمل، أو قضاء الوقت مع الأسرة والأصدقاء، فمثل هذه السلوكيات قد تنم عن شعور بالإحباط أو الارتباك أو الاكتئاب الناجم عن التدهور الذهني والإدراكي بسبب الإصابة بالخرف.

ما الدعم الذي يمكن للأسرة أن تقدمه؟

على الرغم من أن التعرف على أعراض الخرف وإدراك أن شخص عزيز من أفراد الأسرة قد أصيب به، قد يكون أمراً مؤلماً للغاية، إلا أن التدخل الطبي المبكر أمر ضروري. وهناك عدة خطوات يمكن لأفراد الأسرة اتخاذها في مثل هذه الحالة:

  1. الحصول على كشف طبي

عند ملاحظة أي من المؤشرات التي قد تدل على الإصابة بمشكلات في الذاكرة، ينبغي تشجيع الشخص على زيارة الطبيب المعالج، فعملية تشخيص الخرف تتضمن مراجعة التاريخ الطبي، وإجراء بعض الاختبارات الإدراكية، بل وفي بعض الأحيان تتطلب إجراء تصوير للمخ، إلا أن الكشف المبكر يتيح رحلة علاجية أفضل وأكثر نجاعة.

  1. الالتزام بالصبر والتراحم

إن التدهور الإدراكي لدى أحد أفراد الأسرة قد يمثل مصدر إحباط لباقي أفراد الأسرة، لذا ينبغي مراعاة التعامل مع الشخص المصاب بالخرف بالكثير من التعاطف والدفء والتراحم، وتفادي الإشارة المستمرة للأخطاء التي يرتكبونها، مما قد يزيد من شعورهم بالقلق والجزع.

  1. التشجيع على ممارسة النشاط الذهني والبدني

من الأمور التي ينبغي مراعاتها عند إصابة شخص ما بالخرف، الحرص على تشجيعه باستمرار على ممارسة الأنشطة التي تساعد على تحفيز المخ والذاكرة وتنشيطها، ومنها على سبيل المثال، حل الكلمات المتقاطعة، أو القراءة، أو تعلم مهارة أو لغة جديدة. كما أن ممارسة الرياضة، وخاصة رياضة المشي، ترتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بتحسين الصحة الذهنية.

  1. خلق بيئة آمنة وداعمة

ينصح الحرص على تبسيط البيئة اليومية للشخص المصاب بالخرف، وذلك لتقليل مصادر الإرباك وتعزيز الشعور بالأمان، ويمكن اتخاذ بعض الخطوات البسيطة لتحقيق ذلك، مثل رفع مخاطر التعثر، ووضع لوحات تعريفية على الأدراج وأبواب الدواليب، وتصنيف الأدوية طبقاً لمواعيدها المختلفة، ووضع روتين يومي واضح.

  1. الحصول على دعم الجمعيات المهتمة بكبار السن

كثيراً ما يواجه أفراد الأسرة صعوبات عاطفية وجسمانية عند تولي مسئولية رعاية شخص مصاب بالخرف، لذا قد يكون مفيداً للقائمين على الرعاية الانضمام لجمعيات أو مؤسسات معنية بالاهتمام بكبار السن، فهي قادرة على توفير موارد قيمة ودعم ومساندة عاطفية.

  1. التخطيط من أجل المستقبل

إن الخرف، أو الاضطراب الإدراكي العصبي الرئيسي، من الحالات المرضية التي تستفحل مع مرور الوقت، ومع تدهور الحالة، وزيادة الأعراض تفاقمها، يصبح من الضروري العمل على التخطيط لاحتياجات الشخص من الرعاية والعناية، سواء على يد أفراد الأسرة أو بمساعدة مهنية.

وختاماً …

وإن لم ينته الحديث بعد عن هذا الموضوع الشائك … فإن تدهور القدرات الإدراكية والذاكرة لدى كبار السن قد تمثل تحدياً لأفراد الأسرة، إلا أن فهم طبيعة النسيان، والتمييز بينه وبين أشكال الاضطرابات الادراكية المختلفة، والتعرف على مختلف المؤشرات التحذيرية والأعراض، يظل هو الخطوة الأولى والأهم التي ينبغي على أفراد الأسرة مراعاتها.

فالكشف المبكر يساعد في سرعة الحصول على رعاية طبية، وتوفير بيئة أكثر دعماً، ومن ثم، مساعدة كبار السن على الحصول على الرعاية الضرورية مع حفظ كرامتهم …

وعلينا دائماً أن نتذكر – إنهم بركة البيت.

بواسطة
ليلى حلمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى