أصول الروشنة

لقاء مع : الروائية اللبنانية ناهدة سعد

النسوة المبدعات يأبينَ إلا أن يُظهرنَ قدراتهن ويُعلّنَ وجودهن في هذا العالم

حازت أ.د. ناهدة سعد على درجات الليسانس والماجستر والدكتوراة في الأدب الإنكليزي والأميركي من الجامعة اللبنانية، كما أنها حائزة على درجة الليسانس في الفلسفة من ذات الجامعة. ولها عدة مؤلفات باللغتين الإنكليزية والعربية، وعدة مقالات منشورة في مجلات محكمّة باعتبارها أستاذة جامعية، كما أنها تتولى الإشراف على أطروحات دكتوراة في الجامعة اللبنانية وجامعات أخرى. ثقافياً، تعرف د. ناهدة سعد نفسها بأنها كاتبة قصصية وروائية.

من هواياتها المطالعة وممارسة اليوجا والرياضة، وربما كان من أبرز الصعوبات التي واجهتها د. ناهدة سعد شعورها بضرورة تنمية لغتها الأدبية، فقررت أن تنشغل بقراءة الكتب متعدد التوجهات. وكانت منذ نعومة أظافرها مولعة بالقراءة، قرأت عشرات الكتب والروايات ودواوين الشعر، ولعل الرواية كانت النوع الأدبي المفضّل لديها. وضمت الأعمال الأدبية التي تأثرت بها: “عندما رقدت محتضرة” لفولكنر، “آنا كارنينا” و”الحرب والسلم ” لتولستوي، و”مدام بوفاري” لفلوبير، و”البؤساء” لهيغو، و”زمن البراءة” لوارتن، و” أجنحة الحمامة” لجامس.

كان هذا الزخم من الأدب والإبداع حافزاً لها لتجرّب قدراتها الكتابية، فبدأت بكتابة نصوص أدبية وجدانية وصفية. وعلى الرغم من أنها إنقطعت لفترة عن الكتابة، لكنها، وبعد حصولها على الماجستير، رجعت إلى ذلك العالم الغني وعاودت الكتابة ولا تزال حتى الآن.

إلا ان أستاذ اللغة العربية في المدرسة التكميلية في صف الثالث متوسط كان أول من اكتشف موهبتها في الكتابة الإبداعية، بعد أن قدمت له عدة قصص قصيرة وعدة قصائد. ثم استكملت في الجامعة رحلتها مع الكتابة النثرية بإشراف د. صلاح الدين الحريري، الروائي والمسرحي والناقد والشاعر والأستاذ الجامعي الذي أسهم في تطوير قدراتها الروائية وصقلها.

ثم توالت أعمال الكاتبة والروائية، فلها مجموعة قصصية بعنوان “الوجه الآخر للأرض“، ومجموعة قصصية باللغة الإنكليزية بعنوان All Dawns Disturb، ورواية “في منتصف الطريق“، و”الراقصة ورجل المخابرات“. كما انتهت د. ناهدة سعد مؤخراً من كتابة رواية جديدة بعنوان “عتَبَاتُ الليلِ والنهار” والتي الآن في طور الإعداد للنشر.

الراقصة ورجل المخابرات
الراقصة ورجل المخابرات

وترى د. ناهدة سعد أن الكتّاب الشباب يواجهون مخاطر عديدة، منها أنهم يعيشون في عصر العولمة والتكنولوجيا مما جعلهم يبتعدون عن عالم التراث الواسع. وانخرطوا في عالم التكنولوجيا، عالم التابليت والبرمجة. وهي تظن أن الكتّاب الشباب بحاجة إلى العودة إلى التراث لكي يساعدوا في إثراء لغتهم وميراثهم الأدبي.

أما المرأة – كما تقول د. ناهدة سعد – فلها “دور مهم في العمل الأدبي؛ فالكاتبات هنَّ المناضلات اللواتي بذلنَ ويبذلنَ كل ما في وسعهن من معرفة ووقت وجهد لكي يحققنَ وجودهنَّ في عالم الأدب والمعرفة، ولهنَّ كل التقدير. إلا أن المجتمع الشرقي لا يزال حتى الآن يخضع للثقافة الذكورية والتي تحاول أن تقلّص من أهمية دور المرأة في الريادة الأدبية والفكرية. النسوة المبدعات يأبينَ إلا أن يُظهرنَ قدراتهن ويُعلّنَ وجودهن في هذا العالم.”

ولذلك، فهناك للمستقبل مشاريع كثيرة في خاطرها. فهي تريد أن توضح صورة مهمة بدأت بتكوينها في مؤلفاتها، ألا وهي صورة المجتمعات القروية في لبنان، حيث تتعارض مع معظم الكاتبات والكتّاب الذين وصفوا حياة القرية ومجدوها، وصوروها بشكل رومانسي وخيالي مفرط. فناهدة سعد تبحث عن واقعية هذه المجتمعات بكل ما فيها من تزمّت وجبروت وقسوة وطغيان وقهر للمرأة على وجه الخصوص. كما أنها تنتقد عادات وتقاليد بالية تؤثر سلبياً على شخصية المرأة. من هنا تسعى الكاتبة لتحاكي الواقع وتعرض المشكلة، لكي تتضح الصورة الحقيقية للقارىء اللبناني والقارىء العربي لمجتمعات لبنانية بشكل خاص وعربية بشكل عام.

ومثل هذا التناول قد يثير حفيظة البعض، ولكن د.ناهدة سعد ترى أن هذا الاختلاف ضروري ويفتح المجال رحباً للحوار الثقافي والمجتمعي، فهي ترحب بالنقد البنّاء الذي يعطي الحق لصاحبه، أما النقد اللاذع الذي من شأنه أن ينقص من قيمة العمل الأدبي أو الأديب، فهو غير مستحب.

أما للقاريء، فتتوجه د. ناهدة سعد بالكلمات التالية:

“أتمنى للقارىء العربي أن يتحلى بالجرأة على تقبل التغيير لعادات وتقاليد مجتمعه وتقدير الأديبات والأدباء الذين لا يتزلفون أويستعطفون أبناء وبنات بيئتهم برومانسية رخيصة تؤمن لهم جمهوراً من القراء أوسع.”

ووجدنا أن رأي كاتبتنا المبدعة في مجلة “الجميلات والشرق” يلبي وصيتها للقارئ العربي ولو بقدر قليل، فهي ترى أن المجلة “فكرة مبدعة تلقي الضوء على إنتاجات فكرية وفنيّة وأدبية. هي تثقيفية، تعطي القارىء فرصة التعرّف على ميادين ثقافية وفكرية تغني التجربة الإنسانية وتحفّز الخيال“.

وختاماً، نقدم بعض الاقتباسات التي اختارتها د. ناهدة سعد من أعمالها لقراء “مجلة الجميلات والشرق”، نتمنى لكم الاستمتاع بها.

من رواية “في منتصف الطريق”

— “أفتح شبّاكي المطلّ على الحديقة الخلفية للمنزل وأحاول أن أُدْخِلَ قليلاً من الهواء المُشعث إلى رئتيّ. الحديقة الخلفية أمامي مسكوبةٌ فوق غسق النهار وكأنها لوحةٌ سقطت من صدر الجدار، سكن ريحُها وتباعدت أنفاسُ ريّاناتها. مستقرّ حالهُا حتى أخمص النباتات المعربشات. فارق النسيم شجيراتها فعبقت بوطء الفراغ وتبعثرت بلا إكتراث. والنافورة الهزيلة في الوسط خبا لون مائها حتى حال وتلاشت نقاطه حتى الفناء . الكنارُ المسجونُ في حبس الأبدية عبثاً يحاول الفرار ولا من منقذ ولا من معين، وأنا غداً عيد ميلادي الخمسين.”

رواية في منتصف الطريق
رواية في منتصف الطريق

“أحلامي كثيرة وشوقي عظيم. والنهر في هديره يسابق الحنين. والريحُ أو شبهُ الريحِ، تختلجُ المكان. ولا أرى في أي موضعٍ إنساناً. أوقف المهرة السمراء وأمسك بيديَّ اللجام فيهتز قلبي من وطأة الحنين. وأفكارٌ رائحاتٌ غادياتٌ تنتابني بقوة فأرمي بحبل خواطري إلى النهر ينساب في هدأة الظلال وأعزم على أن أجرّب الماء. لمرة واحدة أقذف بحرصي وخوفي وآخذ القرار وأقفز في الماء. .. أطبق جفوني على ألف لون ولون ، فكأنها تواكبني في رحلتي الطيورُ. كأنها ترفُ فوقي رفَّة الجنون وترصد السماء بألف عين …وكأنني أغرق في عالم فضيّ خيطانه من زبرجد ونار. وكأنه يثقل في رأسي الميزانُ. وكأنما أخلع من قدميّ نفسي وأدخل في عالم النور.”

 

من رواية “عتَبَاتُ الليلِ والنهار”:

– -“يطبقون علينا من جديد ويتمايلون بأجسادهم وتفوح رائحة أنفاسهم الخبيثة. يأخذني الدوار في شبه غيبوبة حيث تتراءى لي أجسادهم كأجساد تلك الوحوش التي رأيتُها في منامي. تتنامى إليّ رائحة أبدانهم وقد إكتست بالوبر والصوف مثل تلك المخلوقات . يطبقون علينا من كل ناحية ويحيكون بأصواتهم أنسجة غريبة تخفي عني نور الشمس وتمنع عني الهواء. دائرة خلف دائرة وهسيس خلف هسيس فأتلاشى في وسطهم وأضمحل.”

بواسطة
مجلة الجميلات والشرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى