
نادرة أمين: أميرة الطرب
من منا لم يسمع أغنية أميرة الطرب نادرة أمين الشهيرة “لما بدا يتثنى“، التي تمكنت، بصوتها العذب، أن تتخذ مكانها وسط عمالقة الفن والتلحين منذ ثلاثينات القرن الماضي.
أحبت نادرة أمين الفن منذ صغرها لتخلد اسمها كأول مطربة مصرية تظهر على الشاشة الفضية، ورسخت الفنانة نادرة أمين بصوتها وأدائها قواعد الفن المصري الأصيل، ولفتت انتباه كبار الملحنين في ذلك الزمان، وتتلمذت على أيديهم، وقدمت لنا مجموعة من أروع أغاني التراث المصري الأصيل.
مولد ونشأة أميرة الطرب نادرة أمين
ولدت نادرة أمين في ٧ يوليو ١٩٠٦ في حي عابدين، لأب مصري من رشيد بالبحيرة وأم لبنانية الأصل، فقدت أمها وهي طفلة في عمر السنتين، ليتركها أباها بعدها لأخته، كي تتولى تربيتها، وسافر إلى أمريكا للاستقرار والزواج هناك.
أحبت نادرة الغناء منذ طفولتها، وكانت تغني وهي مازالت في المدرسة الابتدائية مع زميلاتها، وتذهب بعد المدرسة إلى حديقة قريبة من بيتها تغني وتلعب مع صديقاتها، دون أن تأبه بالعواقب التي ستلقاها عند العودة إلى المنزل.
بداية مشوار المطربة نادرة أمين الفني
بدأت نادرة أمين الغناء على نطاق ضيق في حفلات أسرية، إلى أن التقت أمير الكمان سامي الشوا في إحدى الحفلات العائلية التي إعتادت أن تغني فيها، فأعجب بموهبتها وشجعها على احتراف الغناء، لتذهب نادرة بعد ذلك وتتعلم العزف على العود على يد الموسيقار يوسف عمران الذي علمها غناء الموشحات الأندلسية، وكان السبب في وقوفها الأول على مسرح رمسيس في الثلاثينات.
وفي إحدى الحفلات مع الفرقة عام ١٩٢٩ على مسرح رمسيس، كانت نادرة تقوم بالغناء والعزف على العود، فاستمع إليها أمير الشعراء أحمد شوقي، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وكانت تغنى موشح “ما احتيالي يا رفاقي”.
وعلى مسرح بديعة مصابني تألقت نادرة بالعزف والغناء، واتجهت للتمثيل، فلعبت دور البطولة في الفيلم الغنائي الأول من نوعه في تاريخ السينما المصرية ”أنشودة الفؤاد”، والذي ظهرت فيه بجوار جورج أبيض والشيخ زكريا أحمد، والمخرج الإيطالي ماريو فولبي.
نادرة أمين أول مطربة على الشاشة الفضية
كانت نادرة أول مطربة مصرية تغني عبر الشاشة الفضية من خلال فيلم “أنشودة الفؤاد”، وهو ثاني فيلم ناطق وأول فيلم غنائي في مصر، وغنت فيه أهم أغانيها من شعر خليل مطران وألحان زكريا أحمد، وكانت تلك الأغنيات هي “يا بحر النيل يا غالي”، وقصيدة “أمسعدي أنت في مرادي”، و”يا أيها البلبل الحنون”، والتي نجحت بها نادرة نجاحاً باهراً منقطع النظير، وحققت بعدها شهرة واسعة في الوسط الفني وقتها، واحتلت صورتها غلاف أول عدد من مجلة الكواكب يوم ٢٨ مارس عام ١٩٣٢.
وبعد نجاحها رغب الموسيقار محمد عبد الوهاب في أن تشاركه نادرة بطولة فيلمه “الوردة البيضا”، لكنها رغبت في تولي رياض السنباطى تلحين أغانيها في الفيلم، فكان ذلك سببا في الخلاف بينها وبين عبد الوهاب، لينتهي الاتفاق بينهما قبل أن يبرم.
نادرة أمين أول مطربة غنت للجيش المصري
سطع نجم نادرة أمين في عالم الغناء، حتى غارت منها أم كلثوم، وتنافست معها بعد شعبيتها المتزايدة يوما بعد يوم، وتفردت بمكانة خاصة، فغنت للجيش المصري أيام حرب فلسطين، وأبدعت في غناء “يا مصري قوم احمِ الوطن”، وكانت أول مطربة تغني للجيش وقتها، فذاع صيتها أكثر، حتى لحن لها عمالقة مثل رياض السنباطى، ومحمد القصبجي، ومحمد عبد الوهاب.
ويتغنى الكثيرون اليوم بكلمات أغنياتها مثل “لما بدا يتثنى” و”ما احتيالى يا رفاقى” و”بين الزهور والميه”، إلا أنهم يجهلون أصولها التي تعود إلى المطربة نادرة أمين، كما غنت من كلمات عباس محمود العقاد أغنية “اعطني العود أغني“، لتمر عقود وتبقى تلك الأغنية حاضرة في الأذهان. ولم تتوقف نادرة عند ذلك النجاح فحسب، بل اتجهت للتنويع وأنشدت دعاءً دينيا للإذاعة المصرية.
أهم أعمال المطربة نادرة أمين الفنية
استعان يوسف وهبي بصوت المطربة نادرة أمين للغناء فقط، من خلال فيلم “بنت ذوات” عام ١٩٤٢، بطولة راقية إبراهيم، ليلى فوزي، بشارة واكيم، عباس فارس، وقصة وإخراج يوسف وهبي.
كما مثلت في فيلمي “شبـح الماضي” عام ١٩٣٤ من إخراج إبراهيم لاما، وتمثيل بدر لاما وأمين النبكي، و”أنشودة الراديو” عام ١٩٣٦، تأليف بديع خيري وإخراج توليو كاريني، وتمثيل أحمد علام، بشارة واكيم، ماري منيب، صالحة قصين.
ومن أشهر أغنيات الفنانة نادرة، “خدود الورد، غني معايا يا موج النيل، الياسمين، بين الزهور، فضفض الماء يا قمر، وبكالك يا ليل يشجيني، وأعطني العود أغني، ولما بدا يتثنى”.
ومن أشعار خليل مطران وألحان زكريا أحمد، غنت “يا بحر النيل يا غالي”، ومن الأناشيد الدينية التي قدمتها نادرة “يا رب هيأ لنا من أمرنا رشدا”.
وفاة المطربة نادرة أمين
يعد شهر يوليو بالنسبة لنادرة أمين مصطفى، هو شهر الميلاد والرحيل، ففي يوم ٧ يوليو من عام ١٩٠٦ ولدت “نادرة”، وفي عام ١٩٩٠، بعد ٧ أيام من الاحتفال بعيد ميلادها الـ ٨٤، رحلت أميرة الطرب نادرة أمين عن دنيانا، تاركة وراءها عددا من الأغنيات والأناشيد والموشحات، فضلًا عن مشاركتها في ٣ أفلام، بخلاف “أنشودة الفؤاد” عام ١٩٣٢.
منذ فجر الحضارة كانت المرأة قوة دافعة في عالم الفن والموسيقى، تحمل مشاعرها وأفكارها إلى العالم من خلال إبداعها بالرغم من التحديات الاجتماعية والثقافية التي واجهتها عبر العصور، إلا أن النساء استطعن ترك بصمات لا تُمحى على جدران التاريخ الفني والموسيقي، سواء كانت تمسك بالفرشاة لترسم لوحة تعبر عن حالاتها النفسية، أو تتمايل على أوتار العود لتنسج ألحانًا تخطف الأنفاس. فكانت المرأة دائمًا في مقدمة الحركة الإبداعية، فكانت المبدعات من كافة أنحاء العالم وخاصة في المجتمعات التي كانت تعتبر الفن والموسيقى حكرًا على الرجال، مصدر إلهام وقوة، لتشكلن رافدًا أساسيًا في نهضة الفنون وتطورها.