أصول الروشنة

باحثة البادية – ملك حفني ناصف

أول مصرية تحصل علي الشهادة الإبتدائية

باحثة البادية

لازلت أذكر درس القراءة الذي كان يحمل إسم ملك حفني ناصف، أو باحثة البادية، وكنت طفلة صغيرة حينها في المرحلة الإبتدائية، ولكني كنت أجهل تماما أن ملك حفني ناصف هي أول فتاة مصرية تحصل علي شهادة الإبتدائية، وأول مصرية تجاهر بالدعوة لتحرير المرأة، وأول مصرية تشتهر بفن الخطابة في العصر الحديث.

ولم تكن ملك حفني ناصف مجرد أديبة لها مؤلفات أدبية بليغة، ولكنها كانت مصلحة إجتماعية تدعو لإصلاح حال المرأة والمجتمع بأسره، وبالرغم من نشاطاتها و إسهاماتها في المجتمع، كانت تعيسة في حياتها الزوجية، وكانت تعاستها هي السبب في إنهاء حياتها القصيرة حيث توفيت وعمرها إثنين وثلاثين عاما. وحزن أبيها علي وفاتها وتوفي بعدها، بعد إصابته بالشلل حزنا علي إبنته الكبري.

كان لملك حفني ناصف السبق في الحصول علي الشهادة الإبتدائية عام 1900، ولكنها لم تكتف بذلك، فحصلت علي شهادة في التعليم العالي لاحقا، وعملت مدرسة لفترة طويلة في مدرسة السنية التي درست فيها.

وكان لملك السبق أيضا في الدعوة لتحرير المرأة وإنصافها من الظلم الذي كانت تعاني منه، وعملت طوال حياتها من أجل المرأة، فأسست “إتحاد النساء التهذيبي”، الذي ضم كثيرا من السيدات المصريات والعربيات وبعض الأجنبيات، وكان هدفه توجيه المرأة إلي ما فيه صلاحها، والإهتمام بشؤونها.

وأقامت في بيتها وعلي نفقتها الخاصة مدرسة لتعليم الفتيات مهنة التمريض، وكفلت لهذه المدرسة كل إحتياجاتها. كما مثلت المرأة المصرية في المؤتمر المصري الأول عام 1911 لبحث وسائل الإصلاح، وقدمت فيه المطالب التي تراها ضرورية لإصلاح حال المرأة المصرية.

أما بالنسبة لنبوغها في مجال الخطابة، فقد كانت اللغة في يدها أداة دقيقة ماهرة للتعبير عن أفكارها ومشاعرها بإيجاز بليغ، وكان أسلوبها سهلا ممتنعا، يتسم بالدقة والوضوح والجزالة، وألفاظها رشيقة جذابة ذات جرس موسيقي عذب.

وعندما نتحدث عن ملك حفني ناصف، لابد وأن نذكر إنجازاتها الأدبية حيث جمعت مقالاتها في كتاب من جزئين تحت عنوان “النسائيات” ونشرته عام 1910. نُشر الجزء الأول منه وكان يضم 24 مقالا وخطبتين وقصيدة واحدة، بينما ظل الجزء الثاني محفوظا كمخطوطات لم تُنشر حتي اليوم. ولها أيضا كتاب أخر بعنوان “حقوق النساء” حالت وفاتها دون إنجازه. وتدور معظم أعمالها حول تربية البنات وتوجيه الأراء ومشاكل الأسرة.

باحثة البادية

وباعتبارها مصلحة إجتماعية، كان لملك حفني ناصف عدة إقتراحات لإصلاح حال المرأة المصرية وللنهوض بها، ومن هذه المقترحات مايلي:

ضرورة أن تذهب النساء في المدن والقري لحضور الصلاة وسماع الوعظ في دور العبادة، وأن تتمسك المرأة بحرية التصرف في مالها، وحرية الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، وحرية الرأي، وتمسك النساء والبنات بضرورة محاسبة كل رجل يخرج علي الآداب مع المرأة والفتاة في الشوارع، وألا يتزوج الرجل علي إمرأته، ولا يطلقها إلا بإذن المحكمة الشرعية.

واهتمت ملك حفني ناصف بأمور المجتمع فكان لها دور في مناهضة الحركة الغربية في مصر، فردت علي دعاة التحرر الغربي بآيات من القرأن ونصوص من السنة، وفندت أراء الذين يُرجعون تأخر الشرق إلي التمسك بالحجاب ببراهين وأدلة عميقة، مثل قولها:”إن الأمم الأوروبية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوي واحد، فمنها الأمم القوية، ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعا في مضمار التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء”.

للأسف لم تستمر مسيرة ملك حفني ناصف الُمشرفة في الحياة طويلا، فقد ماتت في سن صغيرة بعدما أُصيبت بالإكتئاب بسبب علمها أنها كانت قادرة علي الإنجاب وأن العيب كان في زوجها فحُرمت من الإنجاب طوال السنوات الخمسة عشر، وهي عدد سنوات زواجها. وقد تعرضت للإيذاء من الجميع الذين كانوا يتحدثون بغير وجه حق عن عدم قدرتها علي الإنجاب، وتوفيت وهي في الثانية والثلاثين من عمرها، وأُصيب والدها بسبب ظلم المجتمع لكبري بناته “ملك” بالشلل وقضى عليه الحزن، فرحل بعد رحيلها بأربعة أشهر.

بالرغم من الإنجازات العظيمة التي حققتها ملك حفني ناصف طوال حياتها القصيرة، إلا أنها لم تنل حقها في التكريم والإشادة بمجهوداتها العظيمة، فهي ليست مجرد أديبة، ولكنها كانت مصلحة إجتماعية، تهتم بشؤون المرأة والمجتمع، وكان لها السبق في مجال التعليم وفن الخطابة.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى