ماما الخارقةالعلاقات الأسرية

عظمة أمي

لطالما كنت شديدة التعلق بأمي عندما كنت طفلة صغيرة، وهذا أمر طبيعي؛ فقد كانت أول شخص ألفته في حياتي، فهي من أرضعتني وأطعمتني وألبستني وغيرت حفاضاتي واحتضنتني وضمتني إلى صدرها الحنون.

وعندما بدأت أكبر، وقعت في غرام أمي؛ لأنني اكتشفت عظمة هذه المرأة الرائعة. وتمثلت عظمة أمي في عدة صور. ومن أمثلة عظمة شخصية أمي إنسانيتها، وقوة شخصيتها، وقدرتها علي إدارة الأمور المالية، وحبها وإهتمامها بي وبأختي الصغرى، وكرمها وسخاءها، وعقلها المتفتح، وأخيرا وليس آخرا حبها لله وعلاقتها القوية به وبالروحانيات.

الجانب الإنساني من شخصية أمي

لازلت أتذكر حتى هذه اللحظة كيف علمتني أمي أن أكون رحيمة بالفقراء خصوصا الشحاذين في الشوارع، فكانت تضع المال في يدي الصغيرة، وتهمس في أذني برفق: “روحي يا مي لعمو إللي قاعد هناك، وإديله الفلوس ديه”. وبالطبع كان من الممكن أن تفعل ذلك بنفسها، ولكنها أرادت أن تعلم ابنتها الصغيرة درسًا لن تنساه طيلة حياتها.

وكانت أمي تعمل في مجال التمريض الذي علمها الرحمة، فكانت تعرض خدماتها الطبية على كل الناس، بما في ذلك جيراننا. ولا زلت أتذكر مهاراتها في إعطاء الحقن دون أن تُشعر المريض بالألم، وأتذكر أيضًا قدرتها على تركيب المحاليل للمرضي.

وتتجلي إنسانية أمي في إستعدادها الدائم لمساندة كل من يواجه ضائقة مالية أو يعاني من مرض خطير، فهي إنسانة رقيقة وحساسة ولا تتحمل رؤية معاناة من يتألمون في الحياة؛ لذلك تمد يدها لمساعدة كل محتاج عن طريق التبرعات والمساعدت المالية التي تعرضها ببذخ. وإذا لم يكن لديها المال الكافي لمساعدة من يطلب مساعدتها ومساندتها، تلجأ لأصدقائها وأقاربها طالبة منهم مساعدة الشخص المعني ماديًا ومعنويًا.

شخصية أمي القوية

لا شك أن أمي إمرأة طيبة القلب وتعامل الجميع بخلق حسن، ولكنها لا تغفر أبدًا ولا تتهاون مع الإهانة والوقاحة وقلة الأدب. فإذا عاملها أحدهم معاملة سيئة جدًا، تكشر عن أنيابها مثل النمرة، وإذا عاملها أحدهم بقلة احترام، تعامله هي أيضا بنفس قلة الاحترام، أي أنها ترد الإساءة بنفس الإساءة التي تلقتها من الأخرين.

إنها امرأة عزيزة النفس، ولديها كرامة تجعلها ترفض الإهانة وسوء المعاملة، ولقد ورثت هذه الخاصية بعينها من أمي العزيزة، فكلانا نتمتع بهذه الروح الثائرة، التي لا تقبل التجريح من الآخرين. وليس معنى ذلك أننا امرأتان عدوانيتان، ولكننا لا نقبل أن يتعامل معنا أحد بأسلوب مُشين ومُهين.

تحكم أمي في الأمور المالية

دائما أتعجب من قدرة أمي الهائلة على إدارة الأمور المادية لأسرتنا، وحيازة مصروف البيت؛ فهي تتعامل دائما بحكمة، وهي أكثر شخص اقتصادي رأيته في حياتي. ومع ذلك مستحيل أن أصفها بالبخل، ولكنها تعلم جيدًا كيف تصرف المال في موضعه الصحيح. وعلمتني أمي ألا أبعثر المال، وألا أنفقه بتبذير وإسراف مبالغ فيه، فينتهي بي الأمر بالفقر المدقع والحاجة؛ لذلك، فهي تكره أن تقترض المال من الآخرين، ودائما لديها المال الكافي لتغطي جميع احتياجاتها.

حب أمي لي ولأختي الصغرى

يمتد حب أمي لي ولأختي الصغرى منذ لحظة ميلادنا، وحتي هذه اللحظة التي أتحدث فيها، وسيستمر هذا الحب حتى أخر يوم في عمر ثلاثتنا. وأمي حرفيا هي ظهرنا وسندنا في هذه الحياة، فهي تساندنا ماديًا ومعنويًا بالرغم من كبر عمرنا، فلم نعد أنا وأختي طفلتين صغيرتين.

ولم تحرمنا أمنا طيلة حياتنا من أي شيء، وحاربت بشجاعة وجسارة لتربينا أحسن تربية، وتعلمنا أحسن تعليم. وعندما اكتشَفَت حبي للكتب منذ الصغر، اشترت لي الكثير من الكتب، وشجعتني على الذهاب إلى المكتبات العامة، وشجعتني أيضا على تثقيف نفسي، وصرفت الكثير من الأموال على الكورسات التي أدرجت اسمي فيها لتنمية موهبتي ومهاراتي.

وعندما أمرض، لا تتركني، بل تمرضني بنفسها، وتأخذني للعيادات والمستشفيات وتشتري لي الأدوية، وعندما أكون بحاجة إلى المال، تمدني بالمال الكافي، بل تعطيني أكثر مما يكفيني ويغطي حاجتي.

وتحرص دائما أن تفعل من أجلي كل ما يجعلني سعيدة في حياتي، وتفعل نفس الشيء مع أختي الصغرى، فهي تريدنا سعداء في هذه الحياة، ولا تتحمل أبدًا أن ترانا نتألم و نتوجع.

كرم أمي وسخاءها

حقا أمي معطاءة في عواطفها وسخية ماديا، فهي لا تفكر في نفسها، وتضع إحتياجات عائلتها ومتطلباتهم فوق إحتياجاتها الشخصية، وتفضل الآخرين على نفسها، وتصرف الكثير من المال لتعبر عن حبها لأحبائها.

علمتني أمي فن اختيار الهدايا وشراء أقيمها؛ لأعبر عن حبي لأصدقائي وأقربائي، وعلمتني أيضا فن المجاملة واختيار الكلام الطيب الحسن؛ لأجامل به الآخرين، وأدخل السعادة والسرور في قلوبهم.

وتحذرني أمي دائما من البخل والحرص الشديد المبالغ فيه، وتحثني دائمًا على دفع الإكراميات للعاملين وتقول لي: “إدفعي للناس دول عشان بيتعبوا فعلا وبيشتغلوا ومش بيمدوا إيديهم لحد.”

وتنتقد أمي دائما البخلاء، خصوصًا من تراهم في حياتها اليومية ومن لهم صلة قرابة بها.

عقل أمي المتفتح

تبهرني أمي دائما بعقلها المتفتح، ورقي فكرها، وتشجيعها لي؛ لكي أعمل وأبدع وأعتمد على نفسي فكريًا وماديًا.

لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي ما قالته لي ذات مرة وأنا طالبة جامعية، درست مادة كنت أظن أنها مقررة علي، وبعد أن درستها إكتشفت أنها ليست ضمن المقرر الدراسي: “طيب كويس، يا مي، إنك زودتي معرفتك ودرستي روايات جديدة عليكي.”

وقالت لي عندما مدحت كتب الكاتبة المصرية إعتماد خورشيد: “شوفي أسلوبها في الكتابة يا مي وقلديها.” وأتذكر كلامي مع أمي عن الأدب والشعر، وكنت أترجم لها ما أقرؤه وما أكتبه، وأشاركها أحلامي وطموحاتي وحبي للفن والإبداع والغناء.

علاقة أمي بالروحانيات

تميزت أمي بالتدين والقرب من الله طيلة حياتها، فهي تحرص على الصلاة وقراءة القرأن الكريم يوميًا، وعلمتني أنا وأختي الصلاة منذ نعومة أظافرنا، واصطحبتنا إلي مختلف المساجد لنصلي ونحضر دروس العلم، وشجعتنا على التردد على المسجد بمفردنا عندما كبرنا وأصبحنا قادرتين على الإعتماد أنفسنا.

وشجعتنا أيضًا على شراء الكتب الدينية والمراجع، وحثتنا أيضا على الإحتشام في الملبس ونبذ العري والتحرر الشديد في انتقاء الملابس.

ودائمًا ما تلقي علينا الخطب والمواعظ حول الإخلاص في عبادة الله وطاعة أوامره، وتحثنا دائما على تفضيل الدين على الأمور الحياتية الأخرى وجعله رقم واحد في قائمة أولوياتنا في الحياة، فبالنسبة لها يأتي الدين أولًا قبل أي شيء.

أمي، قرة عيني

أمي هي عشق حياتي ونور عيوني، وهي الشخص الوحيد القريب إلى قلبي. وإكتشفت بعد كل هذه السنوات أنها الحب الحقيقي الذي يملأ حياتي بهجة وفرحة.

وقد حاولت في هذا المقال أن أعبر لها عن حبي الشديد بالحديث عن عظمة شخصيتها. والحقيقة أن هناك أمثلة كثيرة تدل على عظمة شخصيتها تتطلب مني أن أكتب عنها مقالات عدة لأصف جمال شخصية هذه المرأة الرائعة.

حقا أشعر بالفخر لأني إبنة هذه المرأة المُبهرة الصادقة مع نفسها ومع العالم المحيط بها.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى