
آلة الإمزاد – هوية موسيقية
آلة الإمزاد آلة “للنساء فقط”، وهي “توثيق للحياة اليومية”، و”تضم السلم الموسيقى كاملا”، و”مخزن المشاعر السعيدة والحزينة”..
إن عزفها الرجال قد تجلب “الخراب” كما تظن القبيلة ..
وقبائل الطوارق قبائل تنتشر في الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا منذ زمن بعيد، يرجعه البعض لما قبل الفتح الإسلامي، واشتهرت في القرون الأولى للفتح باسم “الملثمين”- لأنهم يلثمون وجوههم ولا يظهر منهم إلا العينان- وباسم المرابطين، ويتكلمون لغة خاصة بهم، ويُحسبون من “الأمازيغ”.
أما آلة الإمزاد المشهور بها قبائل الطوارق في الصحراء الكبرى، فتنتشر من جنوب ليبيا إلى جبال الهقار والطاسيلي في الجزائر حتى مرتفعات النيجر ومالي المجاورتين، ورافقت الإمزاد طيلة قرون قبائل الطوارق حيث تشكل المرأة ركيزة المجتمع.
آلة الإمزاد والربابة
إن آلة الإمزاد أو الربابة الصحراوية آلة معروفة عند قبائل طوارق الصحراء بشكل خاص، ويكاد لا يخلو منها أي بيت تارقي، وتعد منذ قديم الزمان مثل الربابة في المشرق العربي، وأداة الشاعر أو المغني للتعبير عن المشاعر وتوثيق الأحداث اليومية. وتنسب تسمية الآلة بمسمى “الإمزاد” إلى الشعرة التي تمد على العود والتي عادة ما تكون طويلة بعض الشيء.
وتختلف آلة الإمزاد عن آلة الربابة المشهورة في المشرق، فغالبا ما توثق الربابة حياة القبيلة، حيث يستخدمها شاعر القبيلة – وهو غالبا رجل. أما عند الطوارق، فالأمر مختلف؛ لأن هذه الآلة تختص بها النساء فقط، وكل من عنده شجن يذهب لعازفة الإمزاد، وهي من تختار الكلمات واللحن، لتعبر عما يجول في النفس.
ولا يمكن للرجال استعمالها، بل هي الآلة التي تعزف بها المرأة “التارقية” الموسيقى للرجل، بل وغالبا ما تُعزف الموسيقى في الظلام.
آلة الإمزاد: لماذا يخافها الرجال؟
إن للأساطير حضور طاغ في مجتمع الطوارق، ومن هذه الأساطير “أن الرجل إذا عزف بهذه الآلة، فإنه سيأتي الخراب على العشائر والقبائل، ويعم الحزن على الناس”. ومن هنا “حُرِّم” العزف على آلة الإمْزاد على الرجل لدى قبائل الطوارق.
صناعة آلة الإمزاد
وللتعرف على طريقة صنع آلة الإمزاد، تشرح احدى العازفات قائلة: “تصنع الربابة من قشرة القرع أو ما نسميه القرع الأحمر الكبير، أو آنية خشبية تم نحتها من أي نوع من أنواع الخشب الجيدة المعمرة التي تكتسب صلابة بمرور الوقت، ثم يشد عليها نوع من الجلود ويشد عليها وتر واحد ويكون لها ثقبين أو أربع ثقوب، ويجب أن يكون الرقم زوجي، والهدف من الثقوب نقل الصوت داخل الوعاء الخشبي، وبالتالي تعطيه نغمة معينة أو صوت يخرجه العازف في مستوى صوت لا يؤذي المستمع ويمس مشاعره”.
وتتطلب صناعة آلة الإمزاد سبعة أيام من العمل، إذ يشد جلد غزال أو ماعز على نصف ثمرة القرع ويثقب على طرفيه، ثم يزين الجلد برسوم مميزة وألوان طبيعية.
والمثير في الأمر- بحسب ماجدة دقة – أن الوتر الوحيد الموجود في الآلة يصدر ٧ أصوات تمثل السلم الموسيقى كاملا، من خلال حركة يد العازفة ومسكة الذراع وشكل القوس.
وعلى الإمزاد تصدح أغاني الفرح والبشرى، وأغاني الحزن الشديد كالفقد والنحيب، وغالبا ما يصاحب العازفة رجل يلقي الشعر وتقوم العازفة بتلحينه، وغالبا ما يكون هذا الشعر ارتجالي وهو يضطر العازفة إلى الارتجال أيضا.
آلة الإمزاد أكثر من مجرد آلة موسيقية
ليست “الإمْزاد” مجرد أداة موسيقية لدى قبائل الطوارق، بل هي آلة لموسيقى مخصصة لنظام اجتماعي له عاداته وتقاليده الضاربة في أعماق الحضارة الإنسانية، خاصة أن الغناء والموسيقى عند الطوراق “كالأكل والشرب”، لا يستغنون عنه ولا يقلعون عنه، فالتارقي يغني في بيته، وفي طريقه لجلب الماء، ولسقي الحيوانات، وفي صحرائه، وهو يمتطي جمله، ويتغنى ليطرد الملل والنعاس في ليالي الصيف الرطبة، حيث يحلو لهم السير بعد يوم من الحر القائظ”.
آلة الإمزاد: تراث ثقافي عالمي
وقد أدرجت منظمة اليونيسكو هذه الآلة، مع الموسيقى التارقية، سنة ١٩٨٢ ضمن التراث الثقافي العالمي.