
فدوى طوقان: أم الشعر الفلسطيني
سمعت اسم فدوى طوقان لأول مرة في حياتي وأنا طالبة بالمرحلة الثانوية، حيث كانت معلمتي لمادة علم النفس تُدعي فدوى، وحكت لي أن أخيها الأكبر سماها فدوى على اسم شاعرة فلسطينية يحبها تٌدعى فدوى.
وأذكر أنها أخبرتني اسم عائلة الشاعرة ولكني نسيته تماما، وعندما قررت بعد كل هذه السنوات الطويلة أن أكتب عن الشاعرات الفلسطينيات، اكتشفت أن هناك شاعرة فلسطينية شهيرة تُدعى فدوى طوقان، تذكرت على الفور هذه القصة اللطيفة، وعقدت العزم أن أبدأ بها مقالي عن أم الشعر الفلسطيني المُبدعة فدوى طوقان.
والحقيقة أنه يوجد الكثير والكثير لأقوله عن فدوى طوقان، وهذه ليست مبالغة على الإطلاق؛ لأن هذه الشاعرة مُبدعة حقا، وحياتها حافلة بالتفاصيل الهامة الشيقة. فانعكست حياتها الشخصية ونشأتها على شعرها بشكل كبير، وتأثرت بشقيقها الشاعر إبراهيم طوقان، وجعل حبها له الكثيرين يلقبونها بخنساء القرن العشرين إلى جانب ألقابها الأخرى.
وبالرغم من عدم زواجها، إلا أن حياتها العاطفية كانت شبيهة جداً بحياة مي زيادة. وعندما قرأت بعضا من قصائدها، كان لي انطباعي الخاص كقارئة، واستمتعت بها كثيرا بالرغم من الحزن والكأبة التي تكسو أبياتها الشعرية.
ولدت فدوي عبد الحميد أغا طوقان عام 1917، في مدينة نابلس بفلسطين وكانت عائلتها محافظة متشددة، ولم تجد في كنف أهلها الحب والحنان، بل وحرموها من تعليمها، فلم تتمكن من استكمال تعليمها الذي اقتصر على المرحلة الإبتدائية.
وكانت دائما تشعر بالرفض والاضطهاد، وأنه لم يكن مرغوب فيها منذ أن كانت أمها حامل فيها، وحاولت التخلص منها عدة مرات. وحزن أبيها حزنا شديدا عندما علم أنها أنثى، وليست ذكرا. وعندما كبرت كان يوجه إليها الكلام بصيغة الغائب.
وكان الشخص الوحيد الذي اهتم بها وبتعليمها هو أخيها الأكبر الشاعر إبراهيم طوقان الذي شجعها على كتابة الشعر وعلى القراءة ونهل العلم والمعرفة. وعبرت فدوى طوقان عن حياتها البائسة الضائعة التي تفتقر إلى الحب والحنان والدفء والسلام في أشعارها وكتبها، وتحدثت أيضا عن أخيها وأفضاله عليها في أشعارها.
وعندما توفي في ريعان شبابه نعته في أشعارها وعبرت عن حزنها الشديد لفقده من خلال إبداعها كشاعرة متمكنة من قدراتها اللغوية.
كان لفدوى طوقان ألقاباً كثيرة مثل شاعرة فلسطين وأم الشعر الفلسطيني، وهذا هو لقبي المفضل، وقررت أن أتخذه عنوانا لمقالي؛ لأنه يعبر عن احتضانها للشعر الفلسطيني، وريادتها له. ولقبت أيضا بخنساء القرن العشرين؛ لأنها لم تنس أخاها مطلقا، ورثته في مناسبات كثيرة، وتأثرت بموته. وعلى الرغم من أن حزنها عليه لم يبد أنه استغرق سوى بضعة أيام فقط، لكنها ظلت تذكره طيلة حياتها.
وكرست فدوي طوقان حياتها للشعر والأدب ولم تتزوج أبدا ولكنها غنت للحب في أشعارها وكانت تحب الحب لذاته وترى أنه أجمل شيء في الوجود، ولديه قوة يصعب على العقل والفكر إدراكها.
ولاحظت في بعض أشعارها أنها تتحدث عن حبيب مجهول، بعيد عنها، تشتاق إليه، وتتعذب لفراقه، وتتمنى أن تلقاه. وأحيانا كانت تتحدث عن الحب بشكل حسي، وهذا يدل على حرمانها من الحب واحتياجها له.
ولكنها أحبت بالفعل، فربطتها قصة حب بالشاعر المصري إبراهيم نجا، وعبرت عن هذا الحب في قصائدها. وكان بينهما رسائل حب متبادلة، ولكنها لم تتمكن من الزواج منه بسبب قيود التقاليد التي تمنعها من الزواج بغريب، خاصة إذا كان من بلد آخر.
وربطتها أيضا قصة حب بالناقد المصري الكبير أنور المعداوي، وحالت الظروف بينها وبين الزواج منه، إلا أن “الأدب اغتنى مرة أخري برسائلهما التي تمثل أدبا رفيعا وإنتاجا شعريا خصبا قدمته فدوى في تلك الفترة.”
وحياتها العاطفية هذه تذكرنا بحياة الأديبة مي زيادة التي أحبت الشاعر جبران خليل جبران من خلال الرسائل العاطفية ولم تتزوجه أو تلقاه ولو مرة واحدة في حياتها.
وكم شعرت بضآلتي عندما قرأت بعض أشعار المبدعة الفذة فدوى طوقان، فهي تتقن اللغة العربية الفصحى إجادة تامة، مما يصعب على القارئ العادي فهم مفرداتها الصعبة المُعقدة. فأنا كقارئة، وجدت صعوبة في فهم الكثير من أبياتها الشعرية، وإن فهمت ما تقصده، فأشعارها أعطتني الانطباع بأنها شاعرة تنتمي للعصور القديمة كالعصر الجاهلي، على سبيل المثال، وليست شاعرة معاصرة.
ولاحظت أيضا حبها للطبيعة وللشعر الذي تجد فيه متنفسها الوحيد. وتتميز أشعارها بالكأبة والحزن والضيق والثورة الداخلية العارمة والتمرد والرغبة في الصراخ للتعبير عن حريتها وكسر القيود والعادات والتقاليد الظالمة، التي تكبت حريتها، وتُخرص صوتها، وتقتل مشاعرها وأحاسيسها، خصوصا مشاعرها الأنثوية.
وتعكس أشعارها أيضا افتقارها للحب والحنان وطفولتها البائسة، وكيف أنها لم تلهو وتلعب مثل أي طفل طبيعي، وكيف أن جسدها كان مريضاً سقيماً، منعها من الاستمتاع بطفولتها، وعيش الحياة التي كانت تتمنى أن تعيشها.
وكل هذا يدل على أن الأدباء والشعراء جميعهم كائنات شديدة الحساسية يحزنون كثيرا ويتألمون والأدب والشعر هما متنفسهم الوحيد للتعبير عما يجول في صدورهم.
نالت فدوي طوقان العديد من الجوائز والأوسمة، والحقيقة أنها تستحق كل هذا التكريم؛ لأنها أثرت الشعر العربي بنتاجها الأدبي الشعري الفذ. فحياتها البائسة التعيسة منذ الطفولة لم تمنعها من الكتابة والتميز والانفراد في مجال الشعر، خصوصا الشعر الفلسطيني.
واستحقت ألقابها العدة خصوصا لقب أم الشعر الفلسطيني، وشعرت كم هي إنسانة جميلة ورقيقة وحساسة، فلم تنس أفضال أخيها عليها ورثته في أشعارها. وليس معنى أنها كرست حياتها للأدب والشعر أنها ليست امرأة طبيعية تحلم بالحب والزواج؛ لأنها أحبت بالفعل، ولكن العادات الظالمة حرمتها من حقها في الحياة.
ولأني امرأة مثلها، تفهمت مشاعرها جيدا عندما قرأت بعض قصائدها، وتفهمت حزنها وضيقها وتذمرها وشكواها من الأسر والعبودية، وأعجبت حقا بلغتها العربية الفصحي الفصيحة البليغة.