المرأة الفلسطينيةماما الخارقة

مريم أبو دقة

صحفية حرة مقاتلة على جبهتين

عندما شرعت في كتابة مقال عن الفدائية الفلسطينية مريم أبو دقة، إكتشفت أن هناك مصورة صحفية فلسطينية شابة تدعى مريم أبو دقة أيضا؛ لذلك قررت أن أكتب عنها على الفور. ولكني اُحبطت؛ لأني لم أجد معلومات كافية عنها، بالرغم أنها تستحق أن يُكتب الكثير عنها فيما يتعلق بحياتها الشخصية والمهنية.

أدركت من خلال المعلومات الوجيزة التي قرأتها عنها أنها مقاتلة علي جبهتين: فهي أم عزباء مطلقة لديها طفل تتولي تربيته بمفردها، وحياتها المهنية الصحفية ليست سهلة علي الإطلاق، وتتعرض لمخاطر قد تؤدي إلي إصابتها وموتها.

ومن الأشياء المؤلمة التي اّلمتها كثيرا في حياتها هو ذكرها إسم أخوها الشهيد علي الهواء بطريقة عفوية دون أن تدرك أن هذا إسم أخيها، وعندما إكتشفت الحقيقة سقطت مغشيا عليها. ولكن بالرغم من كل هذا فهي فخورة جدا بمهنتها وتراها مهنة إنسانية نبيلة.

مريم أبو دقة الصحفية

تعمل مريم مصورة للعديد من المواقع المحلية والعربية منذ العام 2016، ومن أشهر الوكالات المحلية التي تعمل لديها هي “دنيا الوطن“، وتعمل كمصورة لوكالات أجنبية، وهي مازالت شابة في ريعان شبابها حيث تبلغ من العمر الآن 32 عاما، ومازالت مستمرة في عملها البطولي ولم أقرأ أنها توقفت عن عملها لأي سبب من الأسباب، سواء سبب قهري أو بمحض إرادتها الشخصية.

مريم أبو دقة – معاناة شخصية

مريم هي المسؤولة الوحيدة عن ابنها غيث منذ أن حملت فيه وإنفصلت عن زوجها، الأمر الذي يجعلها تحمل علي عاتقها مسؤوليات مضاعفة ومنهِكة، إذ تضطر أحيانا أن تفتح إتصال مباشر بينها وبين غيث من منطقة الأحداث، كي يتأكد أنها ليست مُصابة، خاصة أنه يظل يراقب وسائل التواصل الإجتماعي للإطمئنان علي أمه أنها بخير. وعندما تصل المنزل، يقوم إبنها بتفتيش كاميرتها ليتفحص الصور ويدقق فيها ويلومها علي تصويرها لجنود الإحتلال؛ لأن ذلك يعرض حياتها للخطر.

مريم أبو دقة – صعوبات حياتها المهنية

تشتكي مريم من ضعف الحماية لها ولزملائها في العمل وهم جميعاً لايمتلكون ما يكفي من أدوات السلامة المهنية، مثل الجاكت الواقي من الرصاص وخوذة الرأس.

وتؤكد مريم أن إسرائيل تتعمد استهداف الصحافيين من خلال شهادتها في الميدان، حيث أصيب الشهيد الصحفي ياسر مرتجي أمام عينها، بينما كان يرتدي سترة واقية، إلا أن الإحتلال أصابه من منطقة الجنب التي لا يغطيها الدرع. ومع ذلك فهي تري أن معدات السلامة ضرورية ويمكن أن تحمي بشكل نسبي، كما أنها لن تعطي الإحتلال مبرراً أنه لم يكن يميز الصحافيين طالما إلتزموا بها.

ومن المضايقات التي تعرضت لها في حياتها المهنية ماقامت به شركة فيسبوك سنة 2020 عندما قامت إدارة الشركة بإغلاق صفحتها التي يتابعها نحو 23 ألف، بدعوي مخالفة معايير فيسبوك وذلك بعد نشرها صورة لعرض عسكري لأحد الفصائل الفلسطينية.

مريم أبو دقة – تجارب قاسية في مسيرتها المهنية

في عام 2018، كانت أبو دقة تغطي أحداث مسيرات العودة في غزة، وهي مجموعة مسيرات إنطلقت في كافة الأراضي الفلسطينية التاريخية، وفي بعض المناطق الأخرى في العالم، وفي المخيمات الفلسطينية في 30 مارس سنة 2018.

توفي شقيقها يوم الجمعة أثناء أحداث مسيرة العودة الكبرى حينما استهدفت مدفعية الإحتلال مرصدا للمقاومة على مقربة من مكان المتظاهرين وكان شقيقها محمد من ضمن الشهداء. وكانت مريم في موقع الحادث لتغطي الواقعة وكان عليها ذكر أسماء الشهداء وذكرت إسم أخوها ضمن الشهداء دون أن تدرك أنه إسم أخيها، حتي نبهها أخ لها كان بجانبها وقال لها: “أخوكي الشهيد”، وتعرضت لصدمة شديدة وسقطت مغشيا عليها ولازالت تتذكر هذه الواقعة وعندما تمر أمامها جنازة لأحد الشهداء يعتصر قلبها ألما؛ لأنها تتذكر جنازة أخوها الشهيد وإذاعة خبر إستشهاده علي الهواء.

مريم أبو دقة – فخر بمهنتها الصحفية

تحدثت مريم أبو دقة في ندوة حوارية بعنوان “مسيرات العودة في عيون الإعلاميين“، أن الصحفي يجب أن يكون إنسانيا قبل أن يكون ناقلا للخبر؛ لأن المواقف تجبرك أن تنتقل من كونك مراسلا، لأن تصبح مصوراً وإنسانا، وأضافت، خلال التغطية نكون صحفيين بمرتبة إنسان، نشعر بكل مكونات الصورة التي نلتقطها ونتأثر بالأحداث التي لا تخصنا، فكيف بما يخصنا؟

وذكرت حادثة إستشهاد أخيها وتأثير هذه الحادثة على عملها، فكل جنازة تغطيها تذكرها بأخيها وحال عائلتها التي عانت كثيرا بسبب وفاة ابنهم.

تشغلني كثيرا قضية المرأة التي تقاتل في حياتها في أكثر من معركة، فقد تكون زوجة وأم وإمرأة عاملة وابنة ترعى والديها المسنين، وأخت يشغلها أمور أخواتها، وصاحبة قضية تدافع من أجلها.

وبالرغم من كثرة الأعباء والضغط النفسي الذي تشعر به طوال الوقت، إلا أنها صامدة تناضل، ولا تستسلم، ولا تيأس، ولا تستجيب للكلل والملل. والصحفية مريم أبو دقة من هذه النوعية من النساء التي تحارب طوال الوقت لتقوم بأدوارها في الحياة علي أكمل وجه.

كم أتمني أن تقرأ مريم أبو دقة مقالي يوما ما، لتشعر أن هناك إمرأة مثلها، تشعر بها، وتقدر ما تقوم به من واجبات وأدوار عظيمة، كأم وكصحفية حرة تخدم وطنها بصدق وإخلاص.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى