
وجود البركة في حياتنا مطلب غالي يوفر لنا الراحة والسكينة، وزيادة الرزق، وتيسير الأمور، كما يحقق لنا مغفرة الذنوب، وطول العمر في الدنيا، ونعيم الجنة في الآخرة.
وهناك أبواب متعددة تدخل منها البركة إلى حياتنا، منها دوام الطاعة لله عز وجل وحمده والالتزام بأوامره وتجنب نواهيه، ومنها صلة الأرحام، وتحري الحلال في جميع أفعالك وفي مأكلك ومشربك، وكثرة الاستغفار والدعاء لله والتوكل عليه، ومن أهم سبل تحقيق البركة بر الوالدين.
لقد أوصت جميع الأديان السماوية ببر الوالدين والإحسان إليهما في حياتهما وبعد مماتهما. فيقول الكتاب المقدس: “أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك”، أي أن بر الوالدين يمنحك العمر الطويل في الدنيا.
و قد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: “الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله”. أي أن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله.
إلا أن وسائل الإعلام المختلفة نشرت في السنوات الأخيرة أخباراً صادمة وقصصاً حقيقية مفزعة عن عقوق الوالدين، وهي ظاهرة غريبة عن مجتمعاتنا وثقافتنا، يندى لها الجبين. أخبار غير مسبوقة أصبحنا نقرأها أو نسمع عنها، فنتعجب من مقدار القسوة والجحود لدى بعض الأبناء. فهذا شاب يطرد والديه من مسكنهما إلى الشارع ويتخذه بيتا للزوجية، وتلك فتاه تقتل والدتها؛ لأنها اعترضت على سلوكياتها وممارساتها اللا أخلاقية، وهذا إبن يلقي بوالديه في دار المسنين ولا يسأل عنهما، وغيرها من الأفعال المشينة والمخزية.
وفي السطور التالية، نتحدث عن بر الوالدين وأثره في تحقيق البركة في دنيانا وآخرتنا، فوجود الوالدين في حياتنا هو البركة الحقيقية التي تغمرنا بالحب الخالص، والحنان بدون حدود، والنصيحة الصادقة، والدعم الكامل.
وتوجد سبل متعددة لبر الوالدين، نلخص هنا بعض أهمها:
الرعاية الصحية من خلال توفير الغذاء الصحي المتوازن لهما، والتأكد من حصولهما على قدر كافٍ من ساعات النوم، وممارسة نشاط بدني خفيف مثل السباحة أو المشي، مما يقلل من تعرضهما للأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم أو زيادة نسبة الكوليسترول وغيرها …
تشجيعهما على القراءة، ومتابعة الأحداث الجارية، وممارسة بعض الهوايات المنشطة للذاكرة مثل الكلمات المتقاطعة أو السودوكو.
مصاحبتهما في نزهات خارجية، أو جلسات عائلية، والتحدث معهما والاستماع لذكرياتهما باهتمام وبدون إظهار أي نوع من الضيق أو الملل مهما كان الحديث مكرراً.
التأكد من قدرتهما على الاعتماد على النفس في تناول الطعام، وارتداء الملابس، والقيام بالنظافة الشخصية، وتناول الأدوية في مواعيدها، وقد يتولى مسئولية أداء تلك الأمور الأبناء، أو حتى بالاستعانة بممرض إو جليس مسنين تحت إشرافهم.
الطاعة التامة لهما، وتلبية أوامرهما وطلباتهما بطيب نفس وليس بالتذمر والتأفف، و تكرار سؤالهما عما يحتاجاه، والتأكد من توفر جميع متطلباتها، والإنفاق عليهما في حالة عدم توفر مصدر كاف للدخل لديهما.
التواضع لهما، ومعاملتهما بالرفق واللين، وعدم رفع الصوت عند التحدث معهما، وعدم استعمال الألفاظ النابية أو توجيه اللوم لهما أو الاعتراض على تصرفاتهما.
تقديمهما في الكلام، وحسن الاستماع إليهما، وعدم إظهار الملل أو الضيق، فلا تنظر إلى الساعة، ويبدو عليك الضيق أثناء حديثهما، ولا تنشغل عنهما بالنظر إلى شاشة الموبايل، أو التحدث مع باقي أفراد الأسرة أو إجراء المحادثات التليفونية.
لا تكذب عليهما ولا تخدعهما، ولا تجادلهما حتى لو كنت على حق، وحافظ على مشاعرهما وكرامتهما، وأدخل السرور إلى قلبيهما بالكلمة الحلوة أو بالهدايا أو بمصاحبتهما في نزهة أو رحلة.
عبر لهما باستمرار عن امتنانك لما قدماه لك طوال حياتك من حب وحنان ودعم، واجعلهما يشعران انك فخور بهما، وأنك تقتدي بهما، وتستفيد من خبراتهما، وتنفذ وصاياهما ونصائحهما، وأنك مدين لهما بأي توفيق ونجاح قد تحقق في حياتك، وأنك لا تزال بحاجة إلى المشورة منهما، واطلب منهما الدعاء لك باستمرار.
لا تسمح لأحد بإهانتهما أو ممارسة أي نوع من الأذى البدني أو النفسي عليهما، ولا تقابلهما بوجه متجهم مهما كانت لديك من مشاكل أو ضغوط. ولا تشعرهما أنهما يمثلان عبئاً ثقيلاً عليك، أو أن وقتك مشغول وجدول أعمالك مكدس. بل أكثر من زيارتهما وقضاء وقت كافٍ معهما، وفي حالة الاضطرار الإجباري للسفر أو الابتعاد، تأكد من وجود من ينوب عنك في قضاء مصالحهما، وتفقد أحوالهما، وأكثر من الاتصال بهما والسؤال عنهما.
كلمة أخيرة ..
تذكر أن والديك قد فعلا كل ما بوسعهما لتربيتك وتعليمك ورعايتك وتوفير جميع متطلباتك بقدر المستطاع، وقد حان الوقت كي ترد لهما جزءا يسيرا من أفضالهما، وسوف يحقق لك هذا العمل الطيب التوفيق في حياتك الدنيوية وبر أبنائك لك، والبركة في عمرك، كما يجعلك تفوز بالجنه في آخرتك …



