المرأة الفلسطينية

عروس يافا

الفدائية دلال المغربي

تخيل معي إمرأة شابة فدائية، تضحي بكل شيء من أجل وطنها، وتفضل الموت على أن تعيش في عالم يسوده الظلم والجور والعدوان والجرائم الإنسانية.

إمرأة تُستشهد في أول وآخر عملية فدائية لها، وهي في سن العشرين، لتُلقب بعروس يافا الجميلة.

إنها المناضلة الفلسطينية دلال المغربي، التي عاشت حياتها في لبنان بعد هجرة أهلها من يافا عقب نكبة سنة 1948. وعملية الإستشهاد التي قامت بها لم تكن سهلة علي الإطلاق، وحتي بعد موتها انتقم منها الصهاينة ورفضوا تسليم جثمانها لأهلها، وحتي الآن تُحارب دلال المغربي من قبل الإحتلال، الذي يرفض أن يطلق الفلسطينيون اسمها على أي مدرسة أو ميدان.

من هي دلال المغربي؟ ولماذا لُقبت بعروس يافا؟

وُلدت دلال المغربي في ديسمبر سنة 1959، في حي صبرا في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، لأب فلسطيني وأم لبنانية، وأتمت تعليمها حتي المرحلة الثانوية، ولم تكمل دراستها، بل درست التمريض مع أختها الكبري رشيدة. وقررت الإنضمام إلى الثورة الفلسطينية والعمل في صفوف فدائيي حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وهي علي مقاعد الدراسة.

وتلقت العديد من الدورات العسكرية، تدربت خلالها علي أنواع متعددة من الأسلحة، وعُرفت خلال إجتيازها هذه الدورات بجرأتها وشجاعتها وحسها الوطني الرفيع وإخلاصها لفلسطين. ولُقبت بعروس يافا نسبة إلي مدينة يافا التي هي مسقط رأس عائلتها.

قصة أول وأخر عملية فدائية قامت بها دلال المغربي

تم اختيار دلال لتترأس فرقة دير ياسين، وكانت العملية المُكلفة بها تسمي “عملية كمال العدوان”، وهو رجل فدائي اغتالته وحدة من الجيش الإسرائيلي مع إثنين أخرين من القادة الفلسطنيين البارزين.

وكان الهدف من العملية هو الثأر للقادة الفلسطينيين الذين تم اغتيالهم في لبنان، والضغط علي إسرائيل للإفراج عن عدد من المقاتلين المُعتقلين في السجون الإسرائيلية.

تمكنت دلال وزملاؤها الرجال الفدائيين – وكانت المرأة الوحيدة بينهم – بعد جهد ومعاناة شديدة إستمرت لأيام وساعات طويلة، من السيطرة على أتوبيسين يضم ركاباً إسرائليين، وضموا الأتوبيسين في أتوبيس واحد وتمكنت دلال ورفاقها من السيطرة علي الرهائن، ورفعت العلم الفلسطيني وغنت النشيد الوطني الفلسطيني وأعلنت للجميع قيام الدولة الفلسطينية.

وبعد ذلك حدث تبادل إطلاق نار بين الفدائيين والقوات الإسرائيلية إستمر لساعات، وهنا تضاربت الأقاويل … فالبعض يقول أن دلال المغربي قامت بتفجير الأتوبيس بالكامل لتكون هي وزملاءها من ضمن القتلى، والبعض يقول أن إيهود باراك هو من نسف الأتوبيس بالكامل. ولكن الثابت في القصة هو أنه تم بالفعل قصف الأتوبيس وإستشهدت دلال ورفاقها ماعدا إثنين منهم. وأسفرت هذه العملية عن مقتل نحو 30 إسرائيلي وجرح ما يقرب من 80 شخص.

الصراع على جثمان دلال المغربي

رفضت إسرائيل تسليم جثمان دلال المغربي وقامت بدفنها فيما يُعرف بمقابر الأرقام الإسرائيلية، وهو المكان الذي تُدفن فيه جثامين المقاتلين الفلسطينيين والعرب الذين نفذوا عمليات ضد إسرائيل، إذ يتم تسليم هذه الجثامين فقط حين تُجرى عمليات تبادل أسرى مع إسرائيل. وقد وعد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أختها رشيدة ببذل قصارى جهده من أجل إعادة جثمانها ودفنه بطريقة كريمة ولكن فشلت مساعيه.

وفي يوليو عام 2008، طالب حزب الله اللبناني، فى صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل، بإعادة جثمان دلال المغربي، ولكن فحوص الحمض النووي التي أُجريت علي رفات جثامين خمسة من أفراد مجموعة “دير ياسين” الذين أعادتهم إسرائيل، أظهرت عدم إعادة جثمانها، الذي بقى غير معروف المكان.

إنتقام إسرائيل من دلال المغربي بعد موتها

أما الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فظلت تحارب دلال حتى بعد غيابها، وتسعى لعرقلة أي مشروع تقوم به السلطة الفلسطينية لإحياء ذكراها، كما فعلت عندما هددت بتدمير مشروع الميدان الذي إفتُتح في 14 مارس 2011، في مدينة البيرة، في غياب مسؤولي السلطة الفلسطينية، وتم بمبادرة من تنظيم الشبيبة  في حركة “فتح” وإتحاد الكتاب الفلسطينيين.

وللأسف حذت الحكومات الغربية حذو إسرائيل في الضغط علي السلطة الفلسطينية وأجهزتها لمنعها من إطلاق إسم دلال المغربي علي أي مشروع يحظى بدعم هذه الحكومات الغربية. ففي نوفمبر عام 2017، علقت السلطات البلجيكية مشاريع مساعدة مدرسية للفلسطينيين بعد اكتشافها إطلاق إسم دلال المغربي على مدرسة إبتدائية في الخليل في الضفة الغربية المُحتلة كانت بلجيكا قد مولّت بناءها بين عامي 2012 و2013.

بالرغم من كل محاولات الإحتلال الإسرائيلي لطمس إسم دلال المغربي وعدم إحياء ذكراها وإخفاء جثمانها، ستظل عروس يافا حاضرة في أذهاننا جميعا، العروس التي ضحت بكل شيء من أجل وطنها وأستشهدت في أول وأخر عملية إستشهادية لها. ماتت صغيرة في السن ولكن مقامها كبير في أعيننا …

ورغم أنف المعتدين.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى