
يرى العالم العربي ومؤسس علم الاجتماع ابن خلدون أن تدهور الأخلاق في مجتمع ما، وافتقاد أفراده لأبسط القيم والمباديء، هو أول خطوة نحو انهيار ذلك المجتمع. ولا شك أن الأخلاق الحميدة هي التي توجد علاقات التعاون والترابط والمحبة بين الأفراد، مما يقوي المجتمع ككل، ويوفر له الاستقرار ويحميه من الفوضى.
ولقد أصبحت مجتمعاتنا العربية في حاجة ماسة للتمسك بأخلاقنا وتقاليدنا الأصيلة مثل حسن الجوار، وترابط الأسرة، واحترام الكبار، والتكافل، واحترام الآخر، ووجود حوار راقي بين الأفراد، بدلا من العنف والسباب والتطاول، وغيرها …
و في موضوعنا اليوم نلقي الضوء على أهمية حسن الجوار ومراعاة حقوق الجار…
للجار حقوق عديدة، فالجار هو أقرب الناس إليك، وربما وقعت في أزمة أو مشكلة طارئة، فكان جارك هو أقرب من تبادر باللجوء إليه، وأسرع من يلبى نداءك ويقف إلى جوارك. ومن أهم حقوق الجار:
– عدم التعرض له بأي شكل من أشكال الأذى، وأيضا الصبر على أذى الجار، ومقابلة السيئة بالحسنى لعله يهتدي.
– أن تحب لجارك ما تحب لنفسك.
– عدم التعدي على حرمة الجيران أو انتهاك أعراضهم.
– حماية الجار في حالة تعرضه لخطر ما، والمبادرة للدفاع عنه، ونجدته، ودعمه.
– الإحسان إلى الجار، بالتبسم عند مقابلته، وإلقاء التحية عليه.
– تقديم الهدايا البسيطة في المناسبات والأعياد لإظهار المودة.
– حفظ أسرار الجار، ربما يتيح لك قربك من الجار الاطلاع على أسراره، وبالطبع لا يباح التجسس والتلصص على الجار، ولكن ربما عرفت عنه شيئا بمحض الصدفة وبسبب الجوار، فعليك ستر جارك وعدم إفشاء أسراره.
– مشاركة الجار في أفراحه وأحزانه، بالتهنئة في المناسبات السعيدة، والمواساة، والدعم في الأحزان.
– تعهد أهله بالرعاية والمساندة ماديا ومعنويا وقت غيابه، سواء للسفر أو الوفاة، دون تجاوز حدود اللياقة والأدب.
– زيارته والتخفيف عنه والدعاء له وقت مرضه.
– تقديم المشورة إليه حين يحتاجها، ومساعدته في حل مشكلاته وقضاء حوائجه.
– إقراضه في حالة تعسر أموره المادية، إذا كنت قادراً.
– محاولة الإصلاح والعمل على تهدئة النفوس وإفشاء السلام بين الجيران، في حالة نشوب مشكله أو مشاجرة بينهم.
وهناك قصة جميلة من السلف الصالح تعبر عن رقي العلاقات بين الجيران ..
يحكى أن علاقة من الود والاحترام المتبادل كانت تربط بين عائلتين في منزلين متجاورين لسنوات طويلة. وذات يوم كانت إحدى العائلتين تجهز للاحتفال بزواج الإبن الوحيد الذي رزقا به بعد عشرين عاما من الزواج، وتم تجهيز وليمة فاخرة ودعوة جميع الأهل والجيران، وبالطبع كان جيرانهم في المنزل الملاصق لهم من أول المدعوين .. لم لا، وهم عشرة العمر وأقرب الأقربين على مدار سنوات طويلة، عامرة بالتعاون والمشاركة في السراء والضراء ..
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد فوجيء والد العريس بحضور الإبن الأصغر فقط، وامتناع بقية أفراد الأسرة عن الحضور، و تناول الإبن اليسير جدا من الطعام ثم غادر المكان مسرعاً ..
تألم والد العريس وامتلأت رأسه بتساؤلات كثيرة .. هل هو عدم تقدير من جاره تجاهه؟ هل هو شعور بالغيرة والحسد؟ هل كان مخدوعاً طوال هذه السنوات عندما اعتقد أنهم يبادلونه مشاعر الود وأنهم سوف يفرحون لفرحه؟ أسرها الرجل في نفسه، وحاول ألا يدع هذا التصرف الغريب من جيرانه يفسد عليه فرحته ..
بعد انتهاء الوليمة، بدأ إعداد موكب السيارات لإحضار العروس وأهلها من منزلهم، فوجيء والد العريس بحضور نفس الإبن الأصغر مرة ثانية للمشاركة بسيارتة في الموكب .. لكن والد العريس ازداد شعوره بالغضب ورفض مشاركته، فانصرف صامتا دون أي تعقيب.
بعد انتهاء مراسم الحفل ومغادرة العروسين، و أثناء توديع الضيوف، شاهد والد العريس جنازة تخرج من منزل الجار في هدوء ودون أي صراخ أو عويل ..
سارع والد العريس للسؤال عمن يكون المتوفي فأجابه الإبن الأكبر للجار أن والده شعر بدنو أجله في صباح ذلك اليوم، وأوصى زوجته وأولاده أنه في حالة وفاته، عليهم أن يقوموا بإخفاء حزنهم وتأجيل تشييع الجنازة إلى ما بعد انتهاء حفل الزفاف تماما، وعدم تعكير صفو جيرانهم أو إفساد فرحتهم ..
وقع هذا الخبر كالصاعقه على والد العريس .. وبكى بكاءاً حاراً، وأدرك أن جاره العزيز ظل على العهد به وفياً حتى أخر لحظة من عمره ..
ليتنا نستعيد هذه العلاقات الطيبة في هذا الزمن الصعب …



