
صروح خفية
جدتي لأبي إمرأة من طراز خاص …
شديدة الذكاء … ذات مبادئ قوية، وإرادة صلبة على دقة ملامحها ورقة جسدها.
تزوجت رجلاً لا يقاربها في أي شئ … كان رجلاً طيباً .. مسالماً … بسيط الطموح … يعيش في عالمه الخاص … ويصدم طوال الوقت في الناس والدنيا.
كان لجدتي طموح يفوقه … ويفوق إمكانياتها … وعالمها … وجسدها الدقيق.
كانت راضية بزوجها الطيب، تعتني به كطفلها … تضعه على جانب وتسعي إلى أحلامها … عمل دؤوب لا يقطعه إلا صوت الأذان.
عندما شب أبي … وجدته يشبهها كثيرآ … ذكى … ذو همة … دقيق.
أصبح مشروعها الأهم … ونجحت جدتي … أصبح رجلا يشار له بالبنان.
نجحت في تربية أبنائها الآخرين … بنت معهم بيوتآ وأحلامآ … لكن ثمة شئ في جدتي لم يمتلئ …
عملت كثيرآ … كانت توقن أن قيمتها في عملها … لم تنتبه يومآ لما أنجزته …
كانت تطلع دومآ “ماذا بعد…”
أصبح لديها ثلاث أبناء ناجحون يعملون … اتذكر دومآ رجائهم لها أن تتوقف عن العمل. لم تهتم ابدآ.
كانت قيمتها ترتبط بعملها … عملها وفقط …
كانت تقول لي “البنت لازم تتعلم وتشتغل ويبقي لها كرسي في المجتمع”.
كانت المسكينة في عمل متواصل … إن لم يطاوعها جسدها … كانت تسكنه بالريفو، المسكن الأشهر حينها.
وتستمر وتستمر وتستمر
فكرة واحدة … في رأس جدتي … كانت كفوهه تبتلع كل شئ … كل نجاح … كل إنجاز …
لم تصدق جدتي مكانتها في قلوب أبنائها وأحفادها … ولا كلمات الحب … لا شئ له قيمة إلا العمل …
أحببتها كثيرآ …
أحببت كل شئ فيها …
لكنني لم أرد أبدآ ان أعيش حياتها …
اتفقد الفوهات في حياتي على الدوام
أحياناً أجدها في تعلقي بشخص أو هدف أو فكرة .. اسارع بإغلاقها بخوف …
واجلس أعد انجازاتي الصغيرة …
لقد استطعت أن استيقظ اليوم من فراشي … لقد أطعمت صغاري … وزرت أبي … وواسيت صديقتي … وكنت إلي جوار زوجي وهو يحتفل بعمله الجديد …
افتح قلبي … وأعلم أنني خلقت لاستقبال النعم …
في قلوبنا يا جدتي … كنت عظيمة …
تمنيت يا حبيبتي لو اكتشفت أبوابآ أخرى للعطاء غير الباب الذى اعتدتيه طوال عمرك …
تمنيت لو أتقنت الراحة كما أتقنت العمل …
تمنيت لو رأيتك يومآ متكأة مستمتعة بكل تلك الصروح التي بنيتيها بيديك …
رحلت جدتي وهي سائره علي قدمها كما تمنت …لم يخدمها أحد ..كما أحبت ..
أدعو الله أن ينعمها بجنه عرضها السموات والارض.. لا تتعب ولا تشقي بها ابدآ
أدعو الله أن يكون متكأك سرر مرفوعة في الفردوس الأعلى من الجنة …