
سجن الاختيار
كلنا نمر باختيارات في حياتنا، من أبسط الأمور إلى أعقدها، فالاختيار موجود في كل شئ حولنا، وكل
ما يخص حياتنا – في اللبس، في الأكل، في العمل، في الحب والزواج، حتى في الإنجاب …. إلخ.
كل هذه الأشياء تحتاج تحديد واختيار، ونسأل أنفسنا دائما، ياترى ماذا نختار؟ ماهو الشئ المناسب لنا؟ ماهو الاختيار الصحيح؟
في كثير من الأوقات، نكون على ثقة بأن إختياراتنا صحيحة وسليمة، ومتأكدين منها، وأحيان أخرى نجد بأننا مجبرين أن نآخد قرار في أمر معين حتى نستطيع أن نكمل في طريقنا، وعندما نواجه إختيارات صعبة أو غير مناسبة، نختار أفضلها بالنسبة لنا أو الأقرب لقلوبنا.
لا يوجد قانون معين للاختيار، لكن هناك معايير نختار على أساسها، وهذه المعايير تكون حسب الشخص وخلفيته وثقافته والمجتمع المحيط بيه، وفى بعض الأحيان تتدخل المشاعر أو الرغبات الشخصية، حتى لو كانت على حساب المنطق والعقل، والخطأ في الاختيار وارد؛ لأننا بشر، أى عندما نختار إختيار معين فى وقت ما، لا يكون لدينا معرفة إلى أين سيؤدى بنا، أو ماذا ستكون النتيجة، المهم إحساسنا وقتها بأننا على حق، وأننا نريد هذا الأمر ونتمسك به.
الاختيار ليس سهلا أبدا؛ لأن هناك عوائق تظهر أمامنا، منها عوائق تنبع منا، وعوائق خارجية لا إرداة لنا فيها.
والعوائق التي تكون من أنفسنا هى التردد فى الاختيار، أو الخوف من الفشل، أو الشعور بالحيرة، ونظل نفكر – ماذا نريد؟ بالبلدى، مش عارفين نرسي على بر، وده احساس طبيعي؛ لأننا بنختار شيء مش عارفين نهايته أو نتيجته، أما العوائق الخارجية تكون من تأثير أشخاص حولنا سواء كانو أهل او أصدقاء أو حتى المجتمع، الأهل لديهم وجه نظر والأصدقاء لديهم وجه نظر ويجب أن نضع المجتمع في حساباتنا، وكل هذا يكون له تأثير على الاختيار سواء كان تأثير سلبي أو إيجابي.
هناك مقولة دائما نكررها، إن الحب أعمى والاختيار أيضا في أحيان كثيرة يكون أعمى؛ لأننا عندما نآخذ قرار، ربما نكون متأكدين من إنه قرار أو إختيار صحيح؛ لأننا نكون متأثرين بأشياء ومشاعر نرى فى وقتها أنها فى صالحنا، أو لأننا لانرى أى عيوب مما يراه غيرنا.
مثلا نختار وظيفة أو حبيب أو سفر، ونصمم على هذا الاختيار، ونشعر بأننا في كامل قناعتنا إن هذا هو الصحيح، لكن مع تغير الوقت والظروف والاهتمامات والتفكير والتقدم فى العمر، نكتشف إنه كان اختيار خاطئ …
وبنسأل نفسنا إحنا إزاي عملنا ده بأنفسنا؟ عقلنا كان فين لما اخترنا كده؟
تماما مثل من تتعلق بشخص وكل من حولها يقول بأنه غير مناسب، وهى تظل غير مقتنعة؛ لأنها تحبه وهو ماتتمناه بالظبط، ولكن عندما تتغير الظروف تراه بعين أخرى، بعد اختفاء التأثيرات التى كانت بداخلها ونسأل أنفسنا: كيف أحببته؟ ماذا رأيت فيه لأنجذب نحوه هكذا؟
فى هذا الوقت، نبدأ فى محاسبة أنفسنا، ونمر بأحاسيس وأفكار كثيرة ومنها:
– نبدأ بلوم أنفسنا؛ لأننا لم نفكر بطريقة صحيحة أو لم نستمع لكلام المحيطين وتحذيراتهم لنا.
– ندخل فى حالة رفض الاعتراف بالخطأ، حتى لانتعرض للوم من المحيطين بنا.
– الكتير منا يكابر ويرفض الاعتراف إنه اساء الاختيار، ويثبت إنه على حق حتى لو على حساب نفسه وسعادته.
– الكتير منا يخاف أن يخرج من سجن الاختيار؛ لأنه لايضمن أن يجد اختيار أفضل أو يخاف من الفشل مرة ثانية.
وفى كل هذه الحلات، نكون نحن الضحايا وليس شخص آخر، ونتحمل – حتى بدون رضا – وكأننا نعاقب أنفسنا.
نشعر بالتعب والتعاسة، ولكن نستمر في الحياة. لكن لايجب أبدا أن نلوم أنفسنا أو نشعر بالضغط؛ لأننا بشر وأكيد سنرتكب الأخطاء طوال حياتنا، ولايجب أن نظل ندفع ثمن هذه الأخطاء من عمرنا وحياتنا.
لا يوجد فى الحياة شئ مضمون 100%، وكل اختيار نمر به، يكسبنا خبرة، وأيا كانت التجربة، أكيد نتعلم منها.
السؤال هنا، هاعرف منين إن فيه حاجة غلط في اختياري؟
– أنا مش راضية.
– أنا حزينة.
– أنا مش سعيدة.
– أنا مش لاقية نفسي.
– دي مش أنا ولا دي حياتي.
أول ما يبدأ هذا الإحساس، يبقى فيه حاجة غلط بتحصل ولازم أعمل وقفة مع نفسي بسؤال واحد: أنا ليه مكملة؟
هذا السؤال مهم جداً، ويعتبر وقفة مع النفس؛ لأنه سجعلنى أسأل أين أنا فى هذه الحياة؟؟
عندما أكتشف أن اختياري خطأ، لايجب أبداً أن أستمر في هذا الوضع، أو أستسلم له، وأظل مسجونة في اختياري، لكن قبل أن أتمرد أو أغير حياتى، توجد بعض النقاط التى يجب أن أفكر فيها وخطوات أقوم بها:
– ابحث عن الأسباب التي جعلتني أشعر بعدم الرضا، وإذا كنت أستطيع أن أغيرها، أجرب حتى أصل لحل يرضينى ويريحنى.
– أدرس مميزات الوضع الحالي وعيوبه، يعنى إيه الفايدة وإيه الضرر؟
– أعمل حسبتى، لو الضرر والعيوب أكبر من المميزات والفوائد، إذا يجب أن أكسر الحاجز وأخرج من
الاختيار الذي سجنت نفسي فيه، واتغلب على خوفي، وأبدأ فى البحث عن بدائل.
– أقوم بدراسة كل المميزات والعيوب جيداً، قبل أى خطوة حتى أستطيع أن أقف على أرض ثابتة، وبعدها اتوكل على الله واختار.
اختيارك ليس حكم نهائي شامل النفاذ! أي ممكن تغييره إذا وجدت إختيار أفضل، سواء في حياتك أو في عملك.
المهم أن أجد نفسي فى ما أفعل، وأحقق ذاتى وأشعر بالرضا.