
عيد الفطر مع جدو سليمان
أشعر بالسعادة والفرح، ياجدي، عندما كنا في صلاة العيد والجميع يشعر بالراحة والسعادة، وقاموا بتوزيع الحلوي والبالون علي جميع الأطفال! يا لها من أجواء مميزة ورائعة!
بالطبع يا سامى، للعيد فرحة مميزة وخاصةً، تبدأ من صلاة العيد وارتداء الملابس الجديدة والعيدية.
بالتأكيد، يا جدي، ولكن أريد أن أعرف منك متي ظهرت العيدية وما قصتها؟
حسناً يابني، حرص النبيّ (ﷺ) على إرساء تقاليد الفرح والبهجة بمناسبة حلول العيد، وجاء في العبادات ما يمكن اعتباره أصلاً وبدايةً لـ”المعايدة ” المرتبطة بالإهداء والعطاء؛ ففي عيد الفطر، كانت زكاة الفطر الواجب أداؤها على كل فرد قبل دخول العيد، وهدفت لتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، وإدخال البهجة والسعادة إلى قلوب الفقراء والمحتاجين. وفي عيد الأضحى، كانت الأضاحي هي الوسيلة لتحقيق التكافل ومساعدة المحتاجين وإسعادهم.
خلال العهود الإسلاميّة الأولى تطوّرت طقوس ومراسم خاصّة بالأعياد، ولكن الذروة جاءت مع بلوغ الحضارة الإسلاميّة أوجها في القرن الرابع الهجري، وبالتحديد في عصر الدولة الفاطمية، مع استقرار حكم الخلافة الفاطميّة في القاهرة أواخر القرن الرابع الهجري.
اشتهر الفاطميون باهتمامهم عموماً بمظاهر الاحتفال وإحياء المناسبات اهتماماً كبيراً، ومن ذلك الاهتمام بطقوس البهجة والاحتفال في شهر رمضان، وفي ذكرى المولد النبوي، وبالأعياد، وغيرها من المناسبات الدينيّة التي أصبح لها ارتباطات اجتماعية وثقافيّة، فأصبحت المناسبات الدينية في هذا العصر مرتبطة بالاحتفالات، وأُرسيت فيه الكثير من الطقوس التي أعادت صياغة الثقافة الإسلاميّة، وما يزال الكثير منها ممارساً ومنتشراً بين المسلمين حول العالم حتى يومنا هذا، بدءاً من الفانوس، إلى المسحّراتي، ووصولاً إلى العيديّة.
كانت “العيديّة”، التي ظهرت آنذاك لأوّل مرة، هبة مستقلة عن سائر العبادات. وكان ذلك منذ عهد الخليفة “المعزّ لدين الله الفاطميّ”، الذي أراد أن يستميل أفئدة المصريين في مبتدئ حكم دولته لبلادهم؛ فكان يأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة، مع حلول كلّ عيد، على رجال الدولة وعامة الرعيّة، كما كان يهدي بنفسه دراهم فضيّة مخصصة للفقهاء والقرّاء والمؤذنين، مع انتهاء ختمة القرآن الكريم ليلة العيد.
وكان طقس توزيع النقود يعرف باسم “التوسعة”، وهو أول شكل ظهرت فيه “العيديّة” كمبلغ مالي يتم توزيعه ووهبه بمناسبة حلول العيد، فكان الخليفة يشرف من قصره صبيحة يوم العيد، وينثر الدراهم والدنانير الذهبيّة على من أتى من عامة الناس للمعايدة.
أما الكسوة، فقد كانت توزع على الخاصّة والعامة، وكانت تصنع قبل شهر ونصف الشهر لتكون جاهزة ليلة العيد، وبلغت النفقات المخصصة لغاية صناعة الكسوة في القرن السادس الهجريّ مبلغاً مقداره عشرون ألف دينار ذهبيّ. وإلى جانب المال والكسوة، كانت المعايدات تشمل صنع الكعك والحلوى وتوزيع كميات كبيرة منها في الطرقات. كُلّ ذلك رسّخ وبلور مناسبة العيد باعتبارها مناسبة عامّة مقترنة بتقاليد الفرح والبهجة.
ومع دخول عصر المماليك، واستقرار ملكهم ببلاد مصر والشام، عادت الطقوس الاحتفاليّة للازدهار وعرفت العيديّة باسم جديد هو “الجامكيّة”، وصارت عبارة عن مبلغ يصرف بأمر مباشر من السلطان كمرتب خاصّ بمناسبة حلول العيد، يمنح لموظفي الدولة من الجند وحتى الأمراء وكبار الموظفين. و”الجامكيّة” كلمة مشتقة من “الجامة”، وهي مفردة تركيّة تعني الثوب واللباس، ويقصد بـ”الجامكيّة” بذلك المال المخصص للملابس؛ حيث كان الهدف منها إعانة الرعيّة وتمكينهم من شراء كسوة جديدة خاصّة بالعيد.
في العصر العثماني، اختلف شكل العيديّة مجدداً، وكان التحوّل الأهم أنّها لم تعد مبلغاً تتولّى صرفه الدولة، وإنما تحوّلت إلى ثقافة وعادة شعبيّة يقوم الناس بأدائها فيما بينهم، كنوع من التعبير عن البهجة، وسعياً لتحقيق التكافل والمعونة فيما بينهم. وكانت هذه العادة تنحسر في الأرياف والبوادي بسبب صعوبة ظروف المعيشة، وارتبطت أكثر بطقوس العيد عند أهل المدن والحواضر خاصّة. ولم تكن العيديّة مرتبطة آنذاك بتوزيع مبالغ ماليّة حصراً، وإنما ارتبطت بمختلف أشكال الهدايا، من الطعام، والملابس، وغيرها.
ومع نهايات العصر العثماني ودخول الحقبة المعاصرة، استقر شكل “العيديّة” كما نعرفها اليوم، وعرفت بهذا الاسم المشتق من اسم المناسبة وهو العيد. وطرأ عليها تحوّلات جديدة، فأصبح من يقوم بها بالأساس هو ربّ الأسرة والأبناء الأكبر سناً من الأشخاص العاملين أصحاب الدخل، وأصبح المستقبل الأول لها هم الأطفال، ثم تأتي الزوجة والبنات الأكبر سناً. وبالرغم من شمول العيديّة أشكالاً مختلفة من الهدايا والألعاب والحلوى والملابس، إلّا أنّها أصبحت تطلق تحديداً على المبلغ النقديّ.
ولكنني أشعر بالحزن، يا جدي؛ لأنك ستغادر المنزل! كانت أيام جميلة وتعلمت الكثير فيها منك وعرفت الكثير من المعلومات الهامة.
لا تحزن يا سامي، اليوم عيد وسوف آتي مرة أخرى ونستكمل حكاياتنا سوياً، وكل عام وأنت والجميع بخير.