
النبي سليمان هو سليمان بن داوود عليهما السلام. ولد وعاش في فلسطين، وورث أباه في النبوة والملك، فقد اختاره الله تعالى للنبوة بعد وفاة والده. تميز سليمان بكثير من الخصال الرائعة، نذكر منها الحكمة، التقوى، العدل، عدم التسرع في إصدار الأحكام، الشجاعة، الصلاح في الدين، الرحمة، دوام الشكر لله، سرعة الرجوع إلى الله، فقد وصفه الله تعالى في القرآن ﴿نعم العبد إنه أواب﴾.
منحه الله تعالى ملكات خاصة تميزه عن جميع ملوك الأرض مثل القدرة على السيطرة على الجن والشياطين، والرياح، وتشكيل المعادن، وترويض الخيل. وقد نجح في تحقيق الاستغلال الأمثل لقدراته بما يعود بالنفع على مملكته. فقد استعمل الرياح في تحريك السحب وإنزال المطر. واستغل قوة الجن في بناء المساجد والقصور وصناعة القدور والغوص في الماء لجلب اللؤلؤ والمرجان، ونجح في تسييل النحاس وصناعة الأسلحه منه.
مواقف عديدة في حياة سليمان عليه السلام تبين حسن تصرفه وعدله وقوة شخصيته، نذكر منها موقفين:
الموقف الأول
أتى رجلان إلى النبي داوود، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب أغنام. ٱشتكى الأول أن الثاني ترك أغنامه تدخل الحرث وأكلت منه وأفسدته. حكم داوود أن يأخذ صاحب الحرث الأغنام، ولكن سليمان رأى أن الأفضل أن يأخذ صاحب الحرث الغنم لفترة مؤقته فقط، ينتفع خلالها بها، ويبذر بها أرضه حتى تعود كما كانت ثم يردها إلى صاحبها، وإقتنع داوود برجاحة عقله وقضى بحكمه.
الموقف الثاني
ذات يوم افتقد سليمان وجود الهدهد فتوعده بالعقاب إن لم يكن له عذر للغياب، وعاد الهدهد فأخبره أنه شاهد أهل سبأ وملكتهم بلقيس يسجدون للشمس، فكتب سليمان كتابا يأمرهم بعبادة الله وحده، وطلب من الهدهد أن يلقيه إليهم وينظر ماذا يفعلون. ألقى الهدهد الكتاب داخل قصر بلقيس وقرأته ثم جمعت القوم للتشاور.
قالوا لها أن قوم سليمان ذوي بأس شديد، واقترحت تقديم هدية قيمة لهم. رفض سليمان الهدية، وهددها باستعمال القوة، فأدركت أنه نبي وقررت الذهاب إليه. عندما علم سليمان أنها في الطريق، كلف عفريتا من الجن بإحضار عرشها. عندما رأت بلقيس عرشها ودخلت القصر الذي بناه الجن خصيصا لها، بهرتها هذه المعجزات وأعلنت إسلامها، ثم تزوجها سليمان عليه السلام.
الدروس المستفادة من قصة النبي سليمان:
– الرحمة بالمستضعفين واجب ديني وأخلاقي، فقد كان سليمان يتفقد جنده ويسأل عنهم، وعندما سمع النملة تحذر قومها من أن يطأهم جنود سليمان دون قصد، ابتسم واعتبرها كائن حي له حقوق مثل الإنسان، وعندما غاب الهدهد لم يصدر عقابا فوريا ضده، وإنما انتظر ليسمع دفاعه ثم يقرر هل يعاقبه أم لا.
– رغم كل القدرات التي وهبها الله تعالى للنبي سليمان، فقد أحاط الهدهد بأمور لم يعلمها سليمان، وهذا يعلمنا ألا نستهين بأي مخلوق حتى وإن بدا لنا صغيرا أو ضعيفا.
– لا ينبغي أن نخشى الجن أو نصدق أنهم قادرين على معرفة الغيب، فلو كانوا كذلك لكانوا اكتشفوا موت سليمان وما كانوا ظلوا يمارسون العمل الشاق الذي كلفهم به، ولم يكتشفوا موته إلا بعد أن أكلت دودة الأرض العصا التي كان متكئا عليها وقت وفاته، فلما سقط على الأرض بعد فترة من الوفاة علموا أنه قد توفي.
– التشاور مع الآخرين أمر ضروري عند اتخاذ القرارات الهامة، وقد حرصت بلقيس على استشارة قومها قبل الرد على كتاب سليمان إليها.
– الموت من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله، ولا يستطيع الإنسان أن يتنبأ بموعد وفاته أو أن يفر من الموت. كان سليمان جالسا مع وزيره، ودخل عليه رجل وتحدث معه، وكان ينظر إلى الوزير ثم انصرف، سأل الوزير عنه فأجاب سليمان أنه ملك الموت. فزع الوزير وطلب من سليمان أن يأمر الريح فتحمله إلى مكان بعيد في الهند فحملته. في اليوم التالي جاء ملك الموت فقال له سليمان: لقد أفزعت صاحبي. قال ملك الموت: يا نبي الله، إني دخلت عليك في الضحى، وقد أمرني الله أن أقبض روحه بعد الظهر في الهند، فعجبت أنه عندك، قال سليمان: فماذا فعلت؟ قال ملك الموت:ذهبت إلى المكان الذي أمرني بقبض روحه فيه، فوجدته ينتظرني فقبضت روحه.
– باب الله عز و جل مفتوح دائما للتائبين. كان سليمان عليه السلام مغرما بالخيل ويقضي وقتا طويلا معها. ذات يوم فاتته صلاة العصر لانشغاله بها، فغضب وأمر الجنود ألا يحضروها إليه مرة أخرى، وندم وازداد قربا من الله وغفر الله له. ويقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته التي عليها طعامه وشرابه، فأضلها في أرض فلاة فاضطجع قد أيس منها، بينما هو كذلك إذا هو بها قائمة على رأسه، فلما رآها قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح.
أي أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده عن أي خطأ و تقربه إليه كما يفرح شخص كان في الصحراء وفقد دابته التي تحمله والتي عليها طعامه وشرابه، فاستسلم لمصيره ورقد على الأرض ثم وجدها بجواره.. فما أكرمك يا الله ..
ولنا في قصص الأنبياء عبرة …