رمضانياتكنوز تراثية

قصة النبي داوود عليه السلام

18

النبي داوود من ذرية يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. كان شابا صالحا مواظبا على العبادات، يقوم الليل للصلاة ويصوم يوما ويفطر يوما، وكان لا يأكل إلا من كسب يده. كان يتقن تشكيل الحديد وهو أول من صنع الدروع الحربية من الحديد بعد إن كانت تصنع من الصفيح.

مرت سنوات بعد وفاة هارون عليه السلام، وتدريجيا بدأ بنو إسرائيل يعودون لعبادة الأصنام وارتكاب المعاصي، وسلط الله تعالى عليهم بذنوبهم الأمم المجاورة، فتعرضوا لغزوات متكررة. ثم أصبح طالوت ملكا عليهم، وكان يتميز بالعلم الغزير والقوة البدنية، وقام بتكوين جيش كبير لقتال الأعداء.

قبل بداية المعركة، طلب جالوت قائد جيش الكفار المبارزة، فخرج له شاب شجاع هو داوود. استهان طالوت بالشاب الصغير وقال له: إرجع فإني أكره أن أقتلك.

قال داوود: وأنا أحب أن أقتلك. وحدثت المبارزة بينهما وقتل داوود جالوت. وبدأ داوود يكتسب شعبية كبيرة لدى بني إسرائيل، وآل إليه الملك بعد وفاة طالوت. جمع داوود عليه السلام بين الملك والنبوة، وبدأ يدعو بني أسرائيل إلى اتباع شريعة الإسلام.

ويحكى أن رجلا جاء لعرض شكواه على داوود، فقال أن لديه نعجة واحدة، وأن أخاه الذي يملك تسع وتسعين نعجة يريد أخذ نعجته. وقال أن أخاه غلبه بفصاحة اللسان وقوة الحجة، فلم يستطع أن يرفض طلبه. سارع داوود بالحكم قبل أن يسمع دفاع الطرف الثاني، وقال للشاكي: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه.

بعد انصراف الرجلين شعر داوود بالندم؛ لأنه تسرع في الحكم، وأعاد النظر في الموضوع، فبدأ يدرك أن  الشخص الأخر طلب كفالة النعجة من أجل إنقاذها من الظلم، فتراجع عن حكمه واستغفر الله فغفر له.

وكانت امراتان معهما إبناهما، جاء الذئب فذهب بإبن إحداهما فقالت لصاحبتها: لقد ذهب بابنك.

وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فطلبتا حكم داوود فحكم للكبرى. ربما لأن الطفل كان معها، أو لقوة حجتها وفصاحتها. إو ربما لكبر سنها أشفق عليها أنها لن تنجب مره أخرى. ثم خرجتا على سليمان بن داوود، فأخبرتاه بالأمر، فطلب إحضار سكين لكي يشق الطفل إلى قسمين، وتأخذ كل واحده قسما.

صاحت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله. إنما هو ابنها.

لقد ارتضت أن تحرم من فلذة كبدها من أجل أن يظل حيا يرزق، حتى لو بعيدا عنها. هنا حكم سليمان أنها أم الطفل. لقد اجتهد كلاهما، ولكن سليمان توصل إلى قرينة جعلته يتأكد تماما من هي الأم الحقيقية للطفل.

الدروس المستفادة من قصة النبي داوود عليه السلام:

– الحق أحق أن يتبع، فرغم أن داوود عليه السلام كان نبيا عادلا وحكيما، لكنه لم يعترض على حكم ابنه سليمان المخالف لحكمه في قضية المرأتين، وذلك لأن قرينة سليمان كانت واضحة ومؤكدة.

– الحكم العادل يتطلب التفكير العقلاني والتجرد من العواطف.

–  أرسل الله تعالى كثير من الرسل إلى بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا مذبذبين بين الإيمان أحيانا والشرك في أحيان أخرى.

– فصاحة الإنسان وقوة حجته قد تساعده في خداع القاضي وإقناعه بالحكم لصالحه، ولكن عليه أن يخشى غضب الله وعقابه.

– عندما يصدر الإنسان قرارا أو حكما معينا، ثم يكتشف بعد وضوح الصورة أنه أخطأ، يجب عليه أن يصحح خطأه فورا، فلا يعيب المرء الرجوع إلى الحق، بل يعيبه الإصرار على الخطأ.

 

ولنا في قصص الانبياء عبرة …

بواسطة
صفية حمودة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى