
النبي يوسف هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكان الأقرب إلى قلب أبيه؛ لأنه رأى فيه أثر النبوة مما جعل إخوته يغارون منه.
رأى يوسف في المنام ، وهو لايزال طفلاً، أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له، فأمره الأب ألا يقص الرؤيا على إخوته خشية أن يصيبه أذى منهم. وبالفعل تحقق ما خشي منه يعقوب عليه السلام، إذ أقنعوه أنهم سوف يصطحبون يوسف معهم للتنزه واللعب ثم تخلصوا منه بإلقائه في الجب، وزعموا أن ذئبا أكله.
حزن يعقوب حزنا شديداً، ولم يقتنع بروايتهم لكنه استسلم لإرادة الله. وأثناء مرور إحدى القوافل أنزلوا دلوا في البئر ليشربوا، ففوجئوا بخروج يوسف مع الدلو وأخذه أحدهم. ولما علم إخوة يوسف بالأمر، ذهبوا واشتروه ببضع دراهم، ثم قاموا ببيعه لرجل آخر هو عزيز مصر.
أوصى العزيز امرأته أن تكرم الطفل، عسى أن ينفعهم أو يتخذونه ولدا. ومرت سنوات وأصبح يوسف شابا وسيما حتى أن امرأة العزيز راودته عن نفسها، لكنه خشى الله وأبى أن يخون الرجل الذي أكرمه، فزعمت لزوجها أنه يحاول غوايتها، وتم سجن يوسف ظلما، لكنه فضل البقاء في السجن على الوقوع في المعصية.
قضى يوسف معظم الوقت في العبادة ودعوة رفاقه في السجن لعبادة الله وحده، والبعد عن الشرك، واشتهر بينهم بالتدين والأمانة وحسن المعاملة.
وفد إلى السجن في ذلك الحين رجلان هما ساقي الملك وخباز الملك. توسم الرجلان في يوسف صلاح الحال، فأخبره ساقي الملك أنه رأى نفسه في المنام يعصر الخمر ويقدمها للملك، وطلب تفسير الرؤيا، فبشره يوسف أنه سوف يغادر السجن ويعود لعمله. وطلب منه أن يبلغ الملك عن الظلم الذي تعرض له حتى يطلق سراحه، لكن الرجل نسى الأمر بعد خروجه.
ورأى خباز الملك أنه يحمل خبزا فوق رأسه تأكل منه الطيور، فأبلغه يوسف أنه سوف يصلب وتأكل منه الطيور. حدث في ذلك الوقت أن رأى عزيز مصر في منامه أن سبع بقرات هزيلات يأكلن سبع سمينات، ورأى سبع سنبلات خضر و سبع يابسات. لم يتمكن أحد من تفسير الرؤيا، وهنا تذكر ساقي الملك تأويل يوسف للرؤى، فأخبر العزيز عنه.
فسر يوسف رؤية العزيز بأن سبع سنوات سوف تأتي محملة بالخير والبركة، وأوصى أن يتم استهلاك ما يكفي البلاد من القمح وتخزين بقية المحصول، مع بقاء الحبوب في سنابلها حتى لا تتعرض للفساد، ثم توقع أن تأتي بعد ذلك سبع سنوات يقل فيها المطر ويجف الزرع ويتم الاستعانة بالحبوب التي تم تخزينها. ويلي ذلك سنوات خصب ونماء.
أمر الملك بإحضار يوسف من السجن عندما علم بقدرته على تأويل الرؤى، لكن يوسف طلب إعلان براءته، وبالفعل تقصى الملك حقيقة الأمر، فاعترفت بعض النسوة أن يوسف بريء، وأقرت امرأة العزيز أنها هي من راودته عن نفسها، وخرج يوسف من السجن وعين وزيرا للخزينة.
عندما مرت سنوات الخير، و بدأت سنوات القحط، بدأ أهل فلسطين يتوافدون على مصر للحصول على حبوب القمح. وحضر إخوة يوسف لنفس الغرض، ورآهم يوسف فعرفهم، لكنهم لم يتعرفوا عليه، واشترط عليهم إحضار أخيهم حتى يمنحهم مطلبهم.
كان ذلك الأخ هو بنيامين، شقيق يوسف من الأب يعقوب والأم راحيل وهي الزوجه الثانيه ليعقوب، بينما كان بقية الإخوة من زوجات أخريات. عندما عاد الإخوة وطلبوا اصطحاب بنيامين رفض يعقوب طلبهم، لگنه ما لبث أن وافق عندما فتحوا أمتعتهم ووجدوا أموالهم كما وجدوا المؤن، فاطمأنوا أنهم سوف يحصلون على المزيد عندما ينفذون الشرط الذي طلب منهم.
ووافق يعقوب بعد أن قدموا له موثقا من الله أن يحافظوا على أخيهم بنيامين. عاد الإخوة إلى يوسف ففكر في حيلة للإبقاء على أخيه في مصر. فتم دس الكأس الذي يشرب منه الملك في متاع بنيامين، ومن ثم تم اتهامه بالسرقة ومنعه من السفر.
حزن يعقوب حزنا شديدا عندما عادوا دون بنيامين، وبكى طويلا حتى فقد البصر، ودعا الله تعالى أن يرد له ولديه يوسف وبنيامين، ثم طلب منهم السفر والبحث عن ولديه الغائبين. عاد إخوة يوسف إليه وتوسلوا إليه أن يتصدق عليهم، وأن يرحم ضعف أبيهم، و لما اكتشفوا أنه يوسف طلبوا أن يستغفر الله لهم.
وأعطاهم يوسف قميصه وطلب أن يلقوه على وجه أبيهم فيرتد إليه بصره، وبالفعل استرد يعقوب بصره، وذهب الجميع إلى مصر، واستقبلهم يوسف ورفع أبويه بجواره على العرش وسجد له إخوته، وهنا تذكر الرؤيا التي رآها في طفولته، وحمد الله على اجتماع شمله بأسرته.
الدروس المستفادة. من قصة يوسف عليه السلام :
– مهما اشتد الكرب وعظم البلاء، يظل المؤمن الحق واثقا في حسن تدبير ربه، ويكون عنده يقين أن كل محنة يعقبها منحة من الله تعالى.
– المصاعب والاختبارات التي مر بها يوسف عليه السلام لم تؤثر عليه سلبا بل جعلته أكثر أيمانا وقوة فلم يضعف ولم يستسلم. و حين حاولت امرأة العزيز غوايته، لم يضعف بل فضل السجن على الوقوع في الخطأ، وعندما سجن عدة سنوات، لم ييأس، بل زاد قربه من الله، وبدأ يدعو رفاقه في السجن لعبادة الله وحده، وانكشفت عنه الغمة وظهرت براءته، ورفع الله تعالى قدره، واجتمع شمل أسرته. فهنيئا للصابرين المتقين.
– رغم مرور سنوات طويلة على فقد يوسف ثم بنيامين وفقد البصر، لم ييأس يعقوب عليه السلام بل ظل يدعو الله ويترقب عودة أولاده وحقق له الله ما تمنى، وأعاد إليه بصره وأكرمه وارتفع شأنه.
– رغم إساءة إخوة يوسف له وتآمرهم عليه، عفا عنهم واستغفر لهم الله وأكرمهم حفاظا على صلة الرحم.
ولنا في قصص الأنبياء عبرة …