
عرفت بخيلاً
من هو البخيل؟
البخل مرض نفسي يصيب بعض البشر، لا يلزم أن يكونوا فقراء لا يملكون المال، حتى يصابوا بهذا المرض، بل إن منهم أثرياء ولكن لم يتعودوا البذل والعطاء، وهناك مقولة بأن بخيل المال بخيل في العواطف والحب أيضا.
ولكن برأيي، هذا ليس صحيحاً، فقد يصادف أن يبتلى المرء بالمرضين معا، وقد يبتلى بنوع منه … فالبخل له أشكال متعددة … فهناك الكريم في بيته لايحرم أولاده وزوجته شيئاً، وتجده بخيلا على الأخرين. فإذا جاءه ضيف يقدم له ضيافة زهيدة … وهناك العكس تجده يضن على أهل بيته، في حين يبذل الغالي للآخرين، متظاهراً بالكرم والعطاء. وقد يظن الغرباء أن أهله في نعيم دائم، وقد يصابوا بالحسد على هذا الزوج والأب السخي …
وهناك البخيل داخل بيته وخارجه، فيتحسر على مايخرج من جيبه من مال، ويتساءل كيف فعل فعلته الشنعاء هذه … وهناك الذي يبذل المال ولكن قلبه جامد لايذيبه عطف أو حب … حتى وإن أحب فلا يظهر حبه وكأن اظهاره جريمة يحاسب عليها القانون … متجهم الوجه لايبتسم. فكيف يشعر الآخرون بالراحة والسرور؟
الغضب والعبوس وظيفته لمدارات عواطفه… يشقي من حوله فالراحة عطاء لامبرر له عنده … وأكبر ظني أن بخلاء العواطف أشد قسوة من بخلاء المال … هذا أن أردنا أن نقارن بينهما … ولو أن عشرة الاثنين، عذاب مدقع.
ويرجع البخل إلى نشأة الفرد في بيئة عائلية قاسية خالية من المودة والعطف، وقد روي عن الإمام علي (رضي الله عنه)، عجبت البخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغني الذي اياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الاخرة حساب الأغنياء …
اكتشفت ان لدى هواية مشاهدة البخلاء ومراقبتهم، والاستماع إلى حكاياتهم من المخالطين لهم، والتفكه بحكاياتهم، وفي كثير من الأحيان الحزن معهم على ألم مخالطتهم واضطرارهم للعيش معهم …
حكت لي احداهن:عندما كنت صغيرة، ذهبت للعب مع جارتي، وجاء وقت تناول الطعام، فحاولت الانصراف، لكن جارتي غضبت وأصرت أن أبقى حتى تنتهي من الغداء، وشاهدت أبيها وهو يناول ابناءه قطعة، وكان يقوم بقضمها. لصغر سني، لم أجد تفسيراً، ولكن مع الوقت عرفت أنه كان بخيلاً، ويستكبر قطعة اللحم على أولاده، ورغم ذلك كان حنوناً …
حدثتني أخرى فقالت: كان لدي محلا لبيع لوازم التجميل، وكان بجانبي محل كوافير تملكه سيدة مسنة، فحسبت أن هذا من حسن الحظ، فسأبيع لها كثيرا … ولكنها كانت بخيلة جدا، فتشتري بنس الشعر بالتقسيط المريح، وتتحسس الجنيهات قبل إخراجها من جيبها، بل وتأخذ الأشياء بسيف الحياء، ولزوم الحيرة. فعرفت أن جيرتها من سوء الحظ، وأغلقت المحل وذهبت بعيدا عنها …
حدثتني أم والدموع في عينيها: زوجت أبنائي وبناتي وكنت أجمعهم أسبوعياً، وأعد لهم العدة، واشتري أنا وزوجي كل غالي لهم، لكي نسعدهم بيومهم ويقضوا وقتاً ممتعاً معنا. ولم يعزمنا أحدهم في منزله أو يقترح أن يريح أمه من وقفة المطبخ، ويتولى جمعهم ولو مرة. وقد حدث ظرف استوجب أن أزور ابني، وأبلغته قبلها بيوم. وفي الزيارة كانت زوجته متثاقلة جدا في تقديم الضيافة، وتكتفي بمشروب واحد، وتجلس عليه حتى ذهبت أنا وزوجي. وقررنا أن نقوم باستقبال الأولاد، ولانذهب إليهم نحن حتى لا نحزن منهم… والحقيقه أني أعرف أن زوجته بخيلة، تأخذ ولا تعطي، وإذا اشترت هدية تعلم صاحبها بالثمن المدفوع فيها …
وقالت لي احداهن: ذهبت لزيارة أخي قبل اختراع المحمول، ولم يكن يعلم بالزيارة، ولكن أخي هذا ميسور الحال، وأنا وقتها كنت في ضيق من العيش، وطرقت بابه، وكان عنده وليمة لآخرين. وعندما رأني بهت، وأخذ يؤنبني على زيارتي المفاجئة، وان اتصل به قبلها … فاستأذنت بحجة أن زوجي ينتظرني في الشارع لنشتري بعض الحاجات، وقررت ألا اذهب له مرة أخرى …
وقالت لي أخرى: زوجي رجل عزيز النفس كريم ومضياف … احتاج يوما لبعض المال، فاشرت إليه بصديق له مسافر خارج البلاد. فأرسل إليه برسالة أن يقرضه بعض المال لمصلحة ما، ولكن ماحدث لم يخطر ببال، حيث رد عليه صديقه بأن المال لايأتي بالساهل، وأنه يشقي في جمعه، وإذا اضطر لاقراضه، فيجب معرفة وقت سداده … فرد زوجي عليه بكلمتين – شكرا لك … وانقطعت صلته به …
هؤلاء هم البخلاء!
قد تراهم في حياتك بطريقة عابرة، وقد تضطر للتعامل معهم أو التعايش معهم فلك الله …
هم مرضى شفاهم الله