
سن اليأس استمرار للحياة
يهاب الإنسان التغيير غالباً، بل ويرهبه في أحيان كثيرة، ويحدث ذلك بوقع خاص إذا ما صاحب ذلك التغيير دخول الإنسان إلى مراحل عمرية جديدة لم يألفها من قبل، ولم يكن يتوقع مروره بها بهذا الشكل. وينطبق هذا على وصول المرأة إلى ما يعرف بسن اليأس، وهي المرحلة التي ينقطع فيها دورة الطمث.
فليس من العجيب أن تشعر المرأة برهبة من التغيير، وليس من الغريب أن تخاف من التحول والتبدل، على الأقل في بداية هذه المرحلة.
وغالباً أن أفكار المرأة عن هذه المرحلة، قبل الوصول إليها أو عند الوصول إليها، ترتبط بالانفعالات السلبية، وتصطبغ باتجاهات غير ايجابية، حتى وقت غير بعيد، فكثيراً ما كان يربط الناس بين سن اليأس وانتهاء دور المرأة في الأسرة، بوصفها أماً خصبة منجبة.
وفي أحيان كثيرة يضخم الناس مختلف الأعراض والشكاوى التي تشكو منها المرأة في هذه المرأة، ويعتبرون أن المرأة لا تستطيع أن تقوم بواجباتها بشكل سليم، وتتقيد بهذه الأعراض.
في الواقع، فأن الأعراض التي تطرأ على المرأة لا يمكن أن تفتك منها، فهي لا مفر منها. لكن البشرى الطيبة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، أن الأمر قد تحول لصالح المرأة، فالأطباء والكثير من الناس تعرفوا على حقيقة سن اليأس، وأمسوا ينظرون إليه باعتباره مرحلة طبيعية يمر بها الإنسان، وهي فترة حتمية لا بد من المرور بها، فلا يجب النظر إليها بنظرة مرور المرأة بحالة انهيار، أوعدم القدرة على الاستمرار في هذه الحياة.
فالمرأة لا تزال تلك المرأة التي تستطيع أن تنفعل، وتستطيع أن تنجز، وتستطيع أن تؤدي الكثير من الأعمال، ومازال لديها رأيها، ولا يزال لديها اتجاهاتها، وما زال لديها ثقافتها، بل وكل الأشياء التي تتمتع بها، وإن حدث هذا التغير فهو تغير طبيعي، يحدث لكل السيدات.
نجد الطفل جنينا، ثم يكبر، ويمر بمرحلة الطفولة المبكرة، والوسطى، والمتأخرة، ثم ينتقل إلى سن البلوغ، ثم يمر بمرحلة المراهقة، يليها مرحلة الرشد بمراحلها الثلاثة، ثم مرحلة كبر السن، أو الشيخوخة. إذا هذا التغير هو تغير الطبيعة، وهو سنة من سنن الحياة التي سنها الله تعالى.
من المهم، إذاً، أن هذه المرحلة لم تعد خاتمة المطاف، لا سيما أن هناك الكثير من الوسائل الطبية اليوم التي تستخدم للتقليل من هذه الأعراض التي تعاني منها المرأة، ومن ضمنها مثلا العلاجات الهرمونية.
ولتعريف سن اليأس، فهو المقصود به انقطاع الدورة الشهرية أو الطمث أو الحيض، ويطلق عليها “سن اليأس” بالأخص بالنسبة للمرأة التي انقطعت عنها لدورة حوالي 12 شهراً متوالية. إن التحول الأساسي للوصول إلى سن اليأس يتضمن أعراض نفسية وفيسيولوجية تشعر بها المرأة.
من الناحية الفيسيولوجية، يتوقف التبويض، فلا تبق البويضة للتخصيب، ومن ثم لا يحدث الحمل. ويكف المبيضين عن انتاج الهرمونات الأنثوية؛ لأن بعض وظائف الغدد الصماء تتجه نحو الضمور. هذا فضلاً عن ضمور الأعضاء التناسلية، خاصة الرحم.
إلى جانب ذلك، تتعرض السيدة في مرحلة سن اليأس إلى تغيرات جسمية، ولا سيما في العظام، فمن أهم عواقب فشل المبيضين في أداء مهمتهما على المدى الطويل، ضعف العظام، ويرجع السبب في ذلك إلى فقد مادة الكالسيوم بمعدل 1% سنوياً، نتيجة لنقص الاستروجين، فتصبح العظام هشة ورقيقة، وأكثر عرضة للكسر. ومن ناحية أخرى، يزداد وزن المرأة في مرحلة سن اليأس، نتيجة لخلل افرازات الهرمونات ولا سيما الاستروجين.

أما بالنسبة للأعراض النفسية، فتتعرض المرأة في هذه المدة إلى أعراض كثيرة تشكو منها، مثل الاجهاد والتوتر والصداع والأرق والاكتئاب وحالات التهيج. كما يجب أن نضع في الاعتبار أن سن اليأس يختلف من مرأة إلى أخرى، من بلد إلى آخر، حيث أن هناك عوامل كثيرة جداً تؤثر في سن اليأس.
ومع تعرض المرأة لهذه الأعراض، فإنها تتعرض أيضاً إلى فقد النشاط والحركة، ولا تتمتع بقدرة عالية على التركيز، وتتعرض للارتباك، والفورات الساخنة، والعرق المتصبب، ونجد الاعتقاد الشائع أنها غير قادرة على مواصلة العمل وذلك على الرغم من عدم صحة هذا الاعتقاد.
أما الشكوى الشائعة بالنسبة للسيدات في سن اليأس، هي الشعور بالإرهاق، والشعور بالقلق المفاجئ أو الخوف، فضلاً عن الشعور بالاكتئاب، وقد أكدت العديد من الدراسات التي أجريت على عينات من السيدات العاملات على هذا. كما أكدت دراسات أخرى أن النساء ينتابهن شعور عام بالقلق، وأنهن فقدن الكثير من متع الحياة الزوجية، فنجم عن هذا الشعور احساس بعدم الرضا وفقدان الثقة بالنفس، وانخفاض تقدير الذات، فكان القلق عامل أساسي في تجنب ممارسة الحياة الزوجية الطبيعية.
ومن المسببات الأخرى لاصابة السيدات بالاكتئاب اللاتي وصلن إلى سن اليأس بصفة خاصة ضمور أجهزتهن التناسلية، فتشعر المرأة أنها أصبحت أقل جاذبية وأقل قدرة على ارضاء الزوج. كما أن أي مرض جسدي يحدث في مرحلة سن اليأس يؤدي إلى أعراض القلق والاكتئاب، فضلاً عن ذلك يحدث المرض الجسمي وتظهر أعراض الاكتئاب في الوقت نفسه دون أسباب واضحة. وينتج الاكتئاب عن تغيرات فيسيولوجية، وخاصة في عمليات الأيض وافراز الأدرينالين، مما يجعل السيدة تشعر بفقدان حيويتها.
وكل هذا من شأنه أن يخفض من تقييمها لذاتها، ويدفعها إلى الشعور بالوحدة والضياع. وبالرغم من توفر براهين لا بأس بها في التراث السيكولوجي تثبت أن السيدات في مرحلة سن اليأس يعانين من تقلب في المزاج، وتنتابهن أعراض حادة من القلق والمخاوف والاكتئاب، فإن هناك بعض الدراسات التي لم تثبت هذه الأعراض لدى السيدات في مرحلة سن اليأس. وتبين أنه لا أساس من الصحة في ظهور أعراض القلق والاكتئاب في هذه المرحلة، وأن السيدات في هذا السن يتسمن بالاتزان الانفعالي، كما أن أي اضطراب يتعرضن له فهو اضطراب يعزى إلى ضغوطات الحياة.
كما أن هناك من الدراسات التي أشارت إلى أنه لا توجد أعراض اكتئابية تظهر في مرحلة سن اليأس، ما قبله أو أثناءه، بل أن هذه التغيرات الجوهرية قائمة لدى بعض السيدات بشكل أكبر من غيرهن. لا يمكننا إذا القول أن أعراض القلق والمخاوف والاكتئاب تنصب فقط على تغيرات سن اليأس، ولكن في الفترة الراهنة، هذه الأعراض قد تنجم أيضاً عن ضغوط الحياة فتكون مصاحبة لأعراض سن اليأس أو للآثار السلبية له.
ولكن يجب أن نشير هنا أنه إذا كانت هناك اضطرابات انفعالية لدى المرأة عندما تصل إلى سن اليأس، هي في الواقع موجودة لدى الجميع، نتيجة أحداث الحياة التي نمر بها. كما أثبتت الدراسات أن وعي المرأة بهذه الأعراض قبل وصولها إلى سن اليأس من خلال قراءاتها والثقافة والمعلومات العامة، تقلل من وطأة هذه الأعراض، حيث أن وعي المرأة يقدم لها خلفية أنها عرضة للاصابة بهذه الأعراض، مما يساعد المرأة على البحث عن بدائل وايجاد الحلول لكل هذه الأمور.
ومن الأشياء التي تمثل عوناً للمرأة في هذه المرحلة، مساندة الأصدقاء، والذهاب إلى الطبيب، وايجاد بعض الوسائل التي تقلل من حدة هذه الأعراض البيولوجية (إن وجدت). والتقليل من هذه الأعراض البيولوجية يصاحبه انخفاض في الأعراض الانفعالية. كما ينبغي على المرأة التعرف على أفضل السبل لاستثمار وقتها بشكل جيد، وتفرغ تلك الطاقة الكامنة أو المكبوتة، عن طريق ممارسة الرياضة، أو القيام بالأعمال التطوعية، أو حضور الندوات الثقافية، أو عن طريق العمل، أو الانشغال بالأحفاد أو الأبناء. فكل هذه تساعد على تنمية الشعور بأن المرأة تحاول القيام بأمور مفيدة، مما يخفف من وطأة الأعراض أيضاً.
فاحساس الإنسان بأنه منتج، واحساس الانسان بأنه قادر على الانجاز وعلى العمل، لا شك يمنح طاقة ودفعة ايجابية جداً للفرد، وتساعد المرأة بشكل خاص على الشعور بالرضا النفسي.
كما ينبغي أن يكون للأسرة دور، خاصة الزوج، فيجب أن يقدم الدعم والمساندة لزوجته. فينصح أن يبتعد تماماً عن التلميحات على سبيل المثال إذا ما زاد وزنها، أو تلميحات بأن مزاجها أصبح متقلباً، والابتعاد عن هذه التلميحات ضروري حيث أن المرأة في هذه المرحلة تكون على قدر عال جداً من الحساسية. بل يحبذ أن يساندها ويساعدها في تجاوز هذه المرحلة، فهي مرحلة عمرية معينة، سرعان ما تمر وتنتهي.

كل الآثار النفسية الخاصة بمرحلة سن اليأس من الممكن التعامل معها إذا كان لدينا القدرة على الدعم والمساندة، وفي نفس الوقت التفهم، واستثمار هذا الرصيد الكبير للزوجة، التي كان عطائها متدفق، وأمست الآن بحاجة إلى عملية من يقف بجانبها إلى حين أن تمر بهذه التغيرات البيولوجية والنفسية الطارئة والمؤقتة، والناتجة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث لها.
هناك كذلك في مجال علم النفس البرامج الارشادية والنفسية والتي تساعد المرأة على تقبل هذه الأعراض إن وجدت، وأن تتعامل معها بشيء من الكفاءة العالية، حتى تتاح لها الفرصة الكافية للتغلب على هذه الأعراض، وبالتالي قد تتجنبها كليةً.
لقد تقدم العلم بشكل كبير جداً، خاصة في مجال أمراض النساء، وأصبح ناجحاً بدرجة كبيرة، وننادي بالمرأة أن تكون على وعي كبير لهذه التغيرات حتى تتمكن من تدبر أمورها، لتتمكن من السيطرة على مثل هذه الأعراض التي قد تتعرض لها.
كل شيء له حل، ولا يوجد مستحيل!!



