أصول الروشنة

أنا وجدتي

عندي إيمان راسخ أن أي مثل شعبي أو حكمة قيلت في الأزمان السابقة، تعد تراثاً لنا، ولكل جيل يأتي بعدنا؛ لأنه نتاج خبرات وتجارب، منها المر الذي اخذت منه الحكمة والعبرة، ومنه الحلو.

وكل له من التجارب والسنين ما يستحق الاهتمام به ودراسته دراسة وافية وعميقة، وتجميعه في كتاب يعيه الجميع ويستعيد كلام جداتنا وأمهاتنا التي اتضح، وبعد مرور الزمن، أنه كلام حقيقي وفعال. ولذلك قررت حفظ هذا التراث ليكن مرجعاً لنا في الحياة، نغترف منه وقتما نشاء.

وهناك طرائف في معتقدات جدتي، مثل التخلص من ضيف ثقيل وغير مرغوب فيه، فتضع ابرة خياطة في المكنسة (المقشه). ومنها عدم التبرع بالملابس القديمة قبل غسلها. وكذلك عدم تبادل لبس الخواتم الشخصية بين الأصدقاء، ومسح المنزل بالملح لازالة العين.

ومن معتقداتها أن فتح وغلق المقص كثيرا يجلب النكد، وقلب الشبشب يزيد الشجار، فتوصي جدتي بعدم ترك الشبشب مقلوباً. وأيضاعند غسل أيدينا بالماء والصابون، وطلب أحد منا الصابونة فلياخذها علي ظهر يده، وليس باطنها لعدم وقوع العداوة بيننا.

وظهور النمل دليل الحسد، والحلم بالفأر يدل علي وجود عدو لنا. ومن وصايا الجدات أيضا ألا نرش الماء علي الأرض ليلا وعدم الكنس ليلا ايضا.

واذا قمنا بتحليل بعض أمثال جدتي وجدتك، نجدها تقول مثلا “المركب اللي لها ريسين تغرق”. وهذا المثل علميا وعمليا صحيح، فلا توجد مؤسسة لها قائدين بنفس قوة التأثير إلا وفشلت وسقطت، بل حتي داخل الأسرة اذا تصارع قائدان على قيادة الأسرة، أصبحت أسرة فاشله.

وكذلك المثل “ألف كلب ينبح معاك ولا كلب واحد ينبح عليك”، بمعني لو لك أكثر من صديق افضل من عدو واحد. وكذلك مثل “اللي تستهتر به يغلبك”، وكم من الدلالات علي صحة هذا المثل. ومثل “اللي تكره وشه يمكن يوم تحتاج لقفاه”، ويجعلنا دائما لا نخسر الناس بسهولة؛ لأن الزمن دوار ولا أحد يعرف من نافع ومن ضار.

وهنا تحضرني قصة أم لها ابنان، ولكل ابن زوجة، فكانت تفضل واحدة عن الأخري، اذلالا للأخرى دون سبب آخر. فدائما تذكر احداهما بالخير لإغاظة الأخري بين الأقارب والجيران. وبعد حين، اقعدت الشيخوخة الأم عن الحركة، وشاخت اعضاؤها، فاحتاجت لمن تعيش معه ليخدمها. وحينها، تنحت زوجة ابنها المدللة المحبوبة جانبا، وتحججت بالحياة، والعمل والمشاغل، وقامت بخدمتها زوجة ابنها الأخرى، فلم تهن عليها، وقد وجدت أمامها دروس الحياة، وكيف يتحول إنسان بكل جبروته إلي كائن لا حول له ولا قوة، واتخذت منها سببا لرضا الله عليها وخدمتها، حتي انتقلت الي ابنتها بعد شهور عديدة، ثم توفاها الله. فلو علمت هذه الأم الغيب، لعدلت بين زوجتي ابنيها، علي الاقل، ولكن لا أحد يضمن الزمن وتقلباته …

وسكتت جدتي عن الكلام المباح ….

بواسطة
منى حسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى