
سمتني والدتي “مي” علي إسم الأديبة الفلسطينية الشهيرة مي زيادة، وهناك العديد من الفتيات المصريات تم تسميتهن بهذا الاسم تيمنا باسم الكاتبة العظيمة الشهيرة، التي إشتهرت بعدة ألقاب منها ” سيدة القلم العربي.”

لقد أثرت مي زيادة الأدب العربي بمؤلفاتها المبدعة التي لاقت إعجاب الجميع بما فيهم النقاد والأدباء و من إنجازات مي زيادة العظيمة، صالونها الأدبي الذي إستمر عشرين عاما. ومن العجائب في حياة مي زيادة هو حبها للشاعر اللبناني جبران خليل جبران عبر الرسائل دون أن تقابله ولو لمرة واحدة، في الواقع حتي إنتهي حبهما العذري بوفاته في نهاية الأمر. ومن المحزن والمؤسف أن حياة مي زيادة إنتهت بشكل بشع ومؤلم علي يد إبن عمها د. جوزيف زيادة الذي إستغلها أبشع إستغلال.
العجيب في الأمر، أن مي زيادة نفسها لم يكن إسمها الحقيقي “مي زيادة” بل كان “ماري إلياس”، وكان لمي زيادة أسبابها لإختيار اسم مي بدلا من ماري. اّثرت مي زيادة إسم “مي” لأنه إسم عربي وخفيف علي مسامع الأذن؛ حيث إعتبرت إسم ” ماري” إفرنجي وغير مألوف عند مسامع العرب، وتعلق مي زيادة نفسها علي إسمها في أحد رسائلها لجبران خليل جبران وذلك عام 1921: “أُمضي مي بالعربية، وهو إختصار إسمي، ويتكون من الحرفين الأول والأخير من إسمي الحقيقي الذي هو ماري.”
لمي زيادة عدة مؤلفات حين قرأت عنها تعجبت كثيرا لقدرة هذه المرأة العظيمة علي كتابة كل هذه المؤلفات، وقدرتها علي تخصيص وقتها كله للكتابة والقراءة بعمق وتمعن. ومن مؤلفاتها العظيمة التي إسترعت إنتباهي كقارئة تتعرف علي الأديبة مي زيادة للوهلة الأولي كتابها “باحثة البادية”، الذي تتطرق فيه للإبداع الأدبي للكاتبة المصرية ملك حفني ناصف.
فمي زيادة كاتبة نسوية تهتم بالمرأة وحقوقها ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات؛ لذلك كتبت كتباً عن أديبات مثل عائشة تيمور ووردة اليازجي، وكانت ضليعة في الترجمة حيث كانت تجيد تسع لغات، فترجمت كتاب “إبتسامات و دموع” لعالم اللغة ” فريدريخ مكس مولر”. وما أجمل روايتها “رجوع الموجة”، والتي تجسد فيها معاناة إمرأة متزوجة لا زالت تحب زوجها الأول الذي خانها مع صديقتها المقربة.

إشتهرت مي زيادة بصالونها الأدبي حيث عمدت إلي إنشاء صالون أدبي خاص بها تحت إسم “ندوة الثلاثاء” وذلك في عام 1912، وكان بيت أبيها القائم في القاهرة مقرا لهذا الصالون لتُعقد الندوة فيه أسبوعيا، ونالت التقدير والإحترام الكبير من حاضريها لقدرتها علي إدارة الندوة بأدب ورقيK وإستمر عقد هذه الندوة عشرين عاما منذ نشأتها، وممن إشتهرت أسماؤهم في إرتياد صالون مي الأدبي: أحمد زكي باشا، وأحمد شوقي، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، ومصطفي صادق الرافعي، والباحثة ملك حفني ناصف، وهي المرأة الوحيدة في الصالون.

قصة حب مي زيادة والشاعر اللبناني جبران خليل جبران هي أغرب من الخيال حيث كانت علاقتهما الغرامية عبارة عن مراسلات وخطابات إستمرت عشرين عاما منذ 1911 وحتي وفاة جبران في نيويورك عام 1931. والمثير للدهشة والتعجب أنهما لم يلتقيا أبدا وظل قلبها مأخوذا به طوال حياتها بالرغم من كثرة عشاقها و مُحبيها وتدهورت حالتها الصحية حينما علمت بوفاته.

تدهورت الصحة النفسية والجسدية لمي زيادة عندما فقدت والديها وحبيبها جبران خليل جبران ولذلك إعتزلت الناس جميعا حتي أصدقائها ومعارفها، كما أنها توقفت عن القراءة والكتابة تماما في عام 1935، حتي نصحها إبن عمها د. جوزيف زيادة بزيارة لبنان للتخفيف عنها لما حصل لها.
إلا أنه إستولي علي أموالها و أدخلها مصح للأمراض العقلية والنفسية وإتهمها بالجنون ليسطو علي أموالها وبيتها و ممتلكاتها وعانت الكثير والكثير في هذا المصح العقلي وأضربت عن الطعام حتي وصل وزنها إلي 28 كيلوجراما، وتمكنت بأعجوبة من الخروج من هذا المكان.
وبعد معاناة تمكنت من الحصول علي تقرير يُثبت سلامة فكرها وأن الحالة التي هي فيها ماهي إلا ظلم حاصل لها فقط لاغير، وفي النهاية إستقرت في بيت صغير في مصر وساءت فيه حالتها النفسية عندما فقدت أحباؤها الذين أزروها في محنتها وتوفيت عام 1941.
حقا أشعر بالفخر لأني أحمل إسم الكاتبة المبدعة مي زيادة صاحبة أشهر صالون أدبي في القاهرة، وصاحبة العديد من المؤلفات المُبهرة التي أفنت حياتها في كتابتها، وهي شخصية مُثيرة حقا للإعجاب وللأسي والحزن في نفس الوقت.



