تربية الأطفال

لا

كل إنسان من حقه الاعتراض، ومن حقه أن يدلي برأيه، ولعل مصيبة ثقافتنا العربية هي أننا لم نعتاد أن نختلف في الرأي، أو أن نعارض المدرس في المدرسة، أو الأستاذ بالجامعة. وإن اختلفنا يتحول الاختلاف إلى خلاف ثم نزاع، مصحوباً بأصواتِ صارخة، قد تصل أحياناً إلى درجة العنف.

وللأسف يرجع هذا إلى نشأتنا منذ الصغر. فالأم أو الأب نسمعهما يصرخان “أنا قلت لا!” .. “لا يعني لا!!” … “مش عايز نقاش!” ويتولد عن هذه المواقف قمع الطفل، وتحوله إلى انسان فاقد الثقة، ليس لديه رأياً مستقلاً. شخصية ضعيفة، يسهل استقطابها في مرحلة الشباب.

وقد أثبتت الأبحاث في مجال علم النفس، أن هذا الطفل الذي لا يسمع سوى “لا يعني لا”، يتحول إلى شخصية مهزوزة، ويلجأ الطفل – ثم الشاب – إلى العند والتمرد، وفي مرحلة الطفولة المبكرة يخفي الطفل ما حرم منه، أما الشاب المراهق فيتمرد على هذا النمط في التربية من القمع الدائم. فيقبل على كل ما منع منه، فالممنوع مرغوب. وتتفاقم المشكلة حتى يصدم الآباء عندما يدخل الأبناء في مرحلة المراهقة في علاقات يشوبها الخطر والمخاطرة، أو يقدمون على الإدمان، أو مشاهدة الأفلام الاباحية، وغيرها من الممنوعات.

وأنا هنا لا أدعو الآباء على تشجيع على مشاهدة تلك الأفلام، أو أدعو إلى الانفتاح والسماح بالعلاقات، وإنما ما أدعو له، وأشير إليه، هو أن الطفل الصغير، الذي يصبح شاباً في المستقبل، من حقه الاعتراض، ومن حقه أن يقول “لا”.

المشكلة لا تكمن فقط في منح الطفل/الشاب هذا الحق، ولكن الأهم أن نترك لهم مساحة من الاعتراض والمناقشة، بل والمناقشة معه بشكل متحضر، والأخذ برأيه، والرد على استفساراته.

ويجب أن يمنح الطفل الحق في التنفيس والاعتراض وال”لا”، وهذه المرحلة من تشكيل الشخصية، تبدأ من الفترات الأولى للطفل الصغير. وهذا ينطبق على الطفل عندما يبلغ من العمر سنوات بسيطة. فالطفل يدرك أكثر مما يتخيله الأب أو الأم، والاحساس بالقمع يتكون من فترات مبكرة جداً.

وعندما تصرخ الأم في الطفل صاحب السنتين، عندما يمسك بقطعة من الحلوى عن طريق الخطأ أو يأخذ لعبة طفل آخر، فإن هذا الصراخ يقمع الطفل. وعندما يصل الطفل إلى عمر السنوات الثلاث، تتكون لديه القدرة على التعبير، وإن كانت محدودة. أما الطفل الذي بلغ الخامسة أو السادسة، فهو يفهم المناقشة والحوار، وإن تحدثت معه باحترام، ولم تقلل من شأنه أو تستهن برأيه أو اختياراته، فإن الطفل سيستجيب. ولكن يجب أن يكون الحوار هادئاً ومقنعاً. على سبيل المثال، إذا رفض الطفل القيام بأداء الواجبات المدرسية، يمكنك أن تشير له أن هذا لن يغير من الأمر شيئاً بالنسبة لك كأب أو أم، ولكن لن يستطع الطفل فهم القصص اللطيفة أو متابعة الألعاب المحببة. والأفضل اقناعه أن الواجب والتعليم هام بالنسبة لمستقبله بشكل مقنع ودون ضغط، ليأتي الحوار بثماره.

ولا تجعل حبك مشروطاً بأداء الواجبات، أو أن تقول له “لن أحبك إذا لم تقم بالواجب”. فحبك لطفلك ليس مشروطاً، ونحب أطفالنا في كل أحوالهم، وخاصة عندما يغضبون. ففي هذه الحالات يحتاجون إلى حبنا واستيعابنا.

وعندما تكونين مطحونة ومضغوطة، أيتها الأم، وتفقدين السيطرة على انفعالاتك، لا تجلدي نفسك! ولكن فكري بوعي أكبر. فالزعيق والصريخ يأتي بحالة عكسية. بالهدوء يمكنك شرح الموقف للطفل، فمن حقه هو أيضاً أن يكون مرهقاً، أو مضغوطاً، مثلك. ومثل هذه الحالة أراها كثيراً لدى الامهات اللاتي تتعاملن مع أطفالهن وكأنه انسان آلي، يجب عليه اتمام كل واجباته وتمارينه الرياضية بتفوق، وليس من حقه الاعتراض أو التمرد.

كلمة أخيرة …

شجعي ابنك أو ابنتك على “لا” – ولكن علميه كيف يقولها. وبأي أسلوب. وهذا يتمثل في أن تكوني أنت القدوة، ويسمعونك أنت عندما تتناقشين مع أبيهم بشكل متحضر وراقي، ويقلدونك أنت، بدلاً من أن يقلدونك وأنت تصرخين وتهللين.

اتركي طفلك الصغير ذا السنوات الثلاثة يختار ملابسه، ويختار ألوانه. دعيه يختار هوايته المفضلة، أو قصته. احترمي عقله الصغير وناقشيه. واعترضي أيضاً إن لزم الأمر. ولكن اعترضي بالمنطق والمحبة.

نريد أطفالا أسوياء، لديهم ثقة بالنفس، يفكرون خارج الصندوق، يعرفون حقوقهم وواجباتهم، كمواطنين وكأزواج وكآباء في المستقبل.

بواسطة
نهاد هليل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى