
“لا تقع في حب معاناتك”
“لا تقع في حب معاناتك”
هكذا قال الفيلسوف السلوفيني المعاصر “سلافوي جيجك” على خلفية دراسته في رسالة الدكتوراه الخاصة به، والتي كان موضوعها حول الفيلسوف وعالم النفس الفرنسي “جاك لاكان”.
الحزن والوحدة والتعاسة مشاعر قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض، ولطالما عبر عنها الإنسان في شتى أشكال الفنون والآداب منذ اختراع الكتابة والتدوين.
ولكن في السنوات الأخيرة، ومع ظهور السوشيال ميديا، بدأت في الظهور أفكار ليست بالجديدة، لكنها أخذت أنماط أكثر بساطة وأسهل في التداول، تحاول إضفاء نوع من الرومانسية على المشاعر السلبية، الأفكار التي تمجد الوحدة وتعتبر الشخص التعس هو بالضرورة أذكى من السعيد، والتي تنكر أهمية وجود البشر في حياة الإنسان، إلى أخره من الأفكار المشابهة.
قام جاك لاكان بتطوير الفكرة الفرويدية عن “ما بعد اللذة”، والتي كانت تتمحور حول فكرة أن الإنسان يبحث عن المتع فقط، قبل أن تأخذ منحٍ مختلف مع لاكان في نظرية “ما بعد المتعة”، والتي كان فحاواها أن الإنسان يستمتع كذلك بالمشاعر السلبية، ويسعى إلى أن يعيش بداخلها، لأنها تسبب له متع نفسية على مستوى الشعور بالتفرد والتميز إلى أخره.
حسنًا، وما المشكلة في ذلك؟
الحقيقة لا توجد أي مشكلة.
الجميع أحرار في الاستمتاع بالمشاعر التي تناسبهم، حتى لو كانت تلك المشاعر سببها اعتلالات نفسية.
لكن الأزمة تكمن في الترويج لتلك الأفكار بوصفها حقائق عالمية مفروغ منها، أو حتى أكثر من ذلك، عندما تُغلَّف بإطار القوة والتميز وخلافه..
والطبيعي أن ليس جميع الأشخاص يمتلكون القدرة على التعامل مع تلك الأقكار بعين الناقد. فتكون النتيجة السعي وراء مثل تلك النماذج الجوفاء البعيدة عن الشكل الصحي لحياة الإنسان داخل مجتمع، وفجأة يجد الإنسان نفسه وحيداً وتعساً، ويكتشف في النهاية أنه هو من صنع تعاسته بنفسه دون دراية منه بذلك.
وطبعًا ليس المقصود أن تعاسة الإنسان في العالم سببها هو الإنسان نفسه، المقصود هو العكس تمامًا..
أن الحياة فيها ما يكفي لجعل الإنسان تعيس، فبالأحرى لا يجب على الإنسان أن يكون سبب من أسباب تعاسته في الحياة دون قصد منه.
ولذلك أُذكّر نفسي وإياكم دائمًا: “لا تقع في حب معاناتك”