
قبل القيامة
وقفت الساعات عند الحادية عشرة مساء وتسع وخمسين دقيقة وتسع وخمسين ثانية، تنتظر دافعا قويا للاستمرار في المضي الرتيب، بين ثوانٍ تتهور في دقاتها، ودقائق تتسلل رويدا، في خبث؛ لتحرك الساعة قليلا من مكانها الثابت.
قررت الساعات التوقف تماما، حتى يفصل الزمان بينها.
انقلبت الأمور كلها، وانتظر الجميع فجوة من الزمن؛ ليمضي أكثرهم إلى القبور قائلين: حلت ساعة القيامة، فلننتظر، نادى منادٍ على الجميع: ليست قيامة الرب، بل هو خلاف حاد طرأ بين الساعات والدقائق والثواني، امتنعت التروس عن الدوران حتى يقضي الزمان بينها.
حضر الكل المحاكمة، وانطلق الناس يهتفون فى غضب، يطالبون بإيقاع أقصى العقوبة على تلك الساعات التي امتنعت عن الدوران فى تحدٍ واضح لقوانين الزمن.
بدأت الساعات في الكلام قائلة: سيدى القاضي، منذ بداية الزمن، وأنا أُدفع دفعا للمضي قدما. كنتُ أرى الخير والشر، لكن كان الزمن يمضي حثيثا غير عابئ، ويبدأ البشر فى تعلم أخطائهم؛ فيصلح ما فسد منهم زمنا، ثم يعاودون الفساد، فى دورة لا تنتهى …
رد القاضي: وما الذى دفعك للانقلاب على ذلك الزمن الذي يحيا فيه البشر؟ وتلك عادتهم على أي حال؟
قالت الساعات: البشر لم يتعلموا شيئا، لقد حكم الشر العالم، ولم يتغير الوضع منذ زمن بعيد!
رد القاضي: ودورة الزمان؟ ألا تكفى؟
قالت الساعات: تلك هي المشكلة سيدى القاضي، لم تعد دورة الزمان لسابق عهدها مذ بدأت الخليقة، لقد قنع البشر بالشر في رضاء غريب، وأقاموا الاحتفالات على شرف فسادهم المريع، ولم يعد من أنبياء فيصلحوا، ولا صالحين فيعدلوا، أما الراهبون ففي صوامعهم قانعون بصلواتهم، وفي الطرقات جياع وضحايا وفسدة ومجرمين …
سيدى القاضي، ما نفع دقاتي في المضي إذا وقفت دورة البشر، واستمروا فى أزمنتهم تلك يقدسون الشر ويتغنون بالخير والصلاح داخل دور عبادتهم الشاهقة البنيان ..فلتقم الساعة الآن أو غدا أو بعد غد..لم أعد أحتمل.
بكى الحاضرون، وسُمعت صيحات المجذوبين، وانطلقوا بالدفوف مكبرين، ليعلنوا توبة لا رجعة بعدها، عادت دقات الساعات في ترقب؛ لتحرك تلك الفجوة الزمنية المظلمة التي وقع البشر فيها، لكن استمر الكل في قناعة أن الزمن قد نقص جراء تلك الوقفة المفاجئة.
طلعت شموس عديدة بلا جدوى، أولها كآخرها، وأقبلت الليالي تتطلع إلى القمر المختفي خلف ظلمة عجيبة، لم تتغير منذ تلك المحاكمة.
نسى الكل ما جرى، واستمر الزمان في المضي، نظرت الساعات إلى الدقائق والثواني، آمرةً إياها أن تسرع في دورانها … حتى تقوم القيامة.