الفنون

المرآة الصينية

كلما نظرت في المرآة تذكرت مرآة الساحرة الشريرة في قصة سنو وايت. لكن الفرق أن مرآة الساحرة الشريرة كانت تطمئنها على جمالها ثم تقارن بينها وبين سنو وايت، فتقول لها: “أنت جميلة، ولكن سنو وايت أجمل منك”. أما مرآتي ففي كل يوم تُفصح لي عن عيب جديد.

فتارة تقول: “شعرك يتفجر في جميع الاتجاهات كالإبر الصنوبرية”، فأُسرع بتصفيفه وتنعيمه. وتارة أخرى تقول: ” احذري، شعرك تتسلل إليه الشعيرات الفضية دون أن تدري”. وفي مرات أخرى: “ما تلك الخطوط الدقيقة في بشرتك، أهي بداية تجاعيد؟” أو: “ما تلك الهالات السوداء تحت عينيك، أهو إرهاق”؟ أو: ” أزرار الجاكيت لم تعد تقفل، لقد زاد وزنك، هل ستصبحين بدينة وقصيرة في آن واحد؟”

وهكذا.. تحبطني مرآتي في كل مرة.

فكرتُ في اختراع مرآة ترفع معنوياتي، تقول لي: ما أجملك اليوم، أو تتغزل في رشاقتي. وسيطرت الفكرة عليّ وأخذتُ الأمر بجدية. وكلنا نعرف أن الأخوة الصينيين لديهم القدرة على اختراع أي شيء. فهم يجعلون فانوس رمضان يغني “رمضان جانا”، ويصنعون سجادة صلاة بالبوصلة لتحديد اتجاه القبلة، ويجعلون الدمية تقول ماما وبابا.

لماذا إذن لا يخترعون لي مرآة ناطقة تسعدني وتُثني على جمالي؟ وطبعًا كل ما تتمنيه تدركيه عبر الإنترنت. وبعد الكثير من المحاولات توصلت إلى مصنع في الصين ينفذ لك كل ما تريدين ولكن بالجملة، على الأقل 100 قطعة. وبعد طول مداولات نجحت في طلب 12 قطعة فقط على أن أطلب المزيد إذا ما لاقى المنتج رواجًا في الأسواق. وفي الوقت المحدد وصلت الشحنة وكنت سعيدة جدًا بها، فجعلت لنفسي واحدة في كل ركن في المنزل ووزعت الباقي على صديقاتي حتى تشعر كل واحدة منهن بأنها جميلة ورشيقة.

وبالصدفة، وبعد عدة أسابيع، كنت أمشي في إحدى الأسواق وفوجئت بمرآتي تُباع على الرصيف بأبخس الأثمان وقد تعددت صيغ المديح في كلٍ منها حتى تناسب كل الأذواق. فواحدة تقول بالفرنسية: O lala, comme tu es belle!، وأخرى تقول بالإنجليزية: Wow, you look awesome! ، والكثير منها يغني بالعربية: جميل جمال مالوش مثال لفريد الأطرش أو: يا حلاوتك يا جمالك لفايزة أحمد، أو أغنية عمرو دياب: قدام مرايتها عادي بتتدلع براحتها، وهي الأكثر رواجًا بين الشابات. وبالطبع لا يصعب على الصينيين التوصل إلى الطابع الثقافي للشعب الذي يسوّقون منتجاتهم فيه.

وهكذا غزت مرآتي الأسواق المصرية، فافتتنت بها النساء وازدادت ثقتهن في أنفسهن ولم يعدن بحاجة إلى الوقوف بجدية أمام المرآة واكتشاف التفاصيل الدقيقة. ويكفي أن تمر الواحدة منهن أمام مرآتها العزيزة حتى تُسمعها أجمل كلمات الغزل والدلال. إلا أن النساء بدأن في إهمال مظهرهن، ولم يلحظن الشعر المنكوش، أو الذراع المتهدل والمتأرجح مع كل حركة. وازدادت مبيعات المرآة، وذاع صيتها، وازداد النساء إهمالاً وغرورًا. وبدأ الرجال يبتعدون عنهن يومًا بعد يوم. ولاحظت النساء ذلك،

ولم يعرفن سبب عزوف أزواجهن عنهن إلى أن ظهرت ضيفة مشهورة في برنامج نسائي، سألتها المذيعة عن سر جمالها، وأعلنت الضيفة بكل صراحة أنها استغنت تمامًا عن المرآة الصينية وعادت تمعن النظر في مرآتها القديمة واكتشفت الكثير من الأمور التي كانت غائبة عنها، فبادرت بالاهتمام بجمالها حتى أصبحت ما هي عليه اليوم. هرع النساء يتخلصن من المرآة الصينية ويعملن بمشورة الفنانة المشهورة، ولكن لم يمض وقتًا طويلاً حتى ظهرت في الأسواق مرآة صينية جديدة تغني أغنية “دبدوبة التخينة”، أو “شوف انت قد إيه وأنا قد إيه”…

اشتراها الرجال لزوجاتهم…

وصرح مصدر مسؤول بأن نسبة مبيعاتها قد فاقت بكثير نسبة مبيعات المرآة الأولى بمعدلات لم يسبق لها مثيل!!!

 

تمت

بواسطة
منال فتوح

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى