أصول الروشنةفضفضي واحكيلنا

نقطة فاصلة

يجب أن نتعلم ونعلم فن الاختيار، فنحن غير مجبورين علي حياة بعينها، بل أمامنا دائما طريقان أو أكثر، ونحن من نختار. قد يحالفنا الصواب ونختار اختيار ملائم لحياة مريحة، وقد تعمي البصائر فنختار مايؤلمنا ويؤذينا بالحياة.

والاختيار السئ يؤثر علينا طيلة حياتنا، فيتسبب في افساد الحياة علينا، فمثلا اذا خطبت فتاة وعلمت عنها العصبية أو الهمجية، فلم تستمر في هذه الخطبة؟ وأنتِ، اذا خطبت لرجل وعلمت عنه البخل أو الكأبة أو الخمول والكسل، فلم تستمرين معه؟

تنبهوا أيها السادة والسيدات … ولاتجلبوا المشاكل لحياتكم بايديكم!

فهل تعلم أن هناك لحظة ما فاصلة، تجعلك تشعر وكانك عبرت البرزخ، وتغيرت احوالك بكلمة واحدة منك، باختيار واحد لك، فاذا تلمست في نفسك موهبة ما حباك الله بها .. فعليك التشبث بها وتنميتها، حتي تصبح فيما بعد شخصاً متميزاً، أو تهملها وتعطي أذنك للمحبطين من حولك .. الذين لا يهمهم مواهبك وابداعاتك، ولكن كل همهم شهاداتك الاكاديمية.

فإذا وقعت فريسة لأفكارهم، ونسيت – أو تناسيت – طموحك وهدفك الأساسي، فأبشر! أنت الآن إنسان عادي .. أنت قتلت طموحك بنفسك ..

فاحذر!

الحياة اختيارات فأحسن اختياراتك!

ولأن الاختيار هو المفاضلة بين أمرين أو أكثر، ودائما ما نحتار في هذا الاختيار، فقد قيل في الأمثال “عايز تحيره خيره”، وقيل في الدعاء “اللهم دبر لي أمري فإني لا أحسن التدبير .. اللهم أختر لي ولا تخيرني”، وقد شرع الله صلاة الاستخارة لتساعدنا في اختياراتنا.

وتحضرني هنا قصة احدي قريبات والدتي “رحم الله الجميع”. كان لها أخ، ضابط بالجيش المصري، وكان هناك بعثات للضباط لدول أخرى، فتعرف علي ضابط أفريقي وتقاربوا، وصارت بينهما صداقة، فدعاه إلى مصر ليرحب به ويتعرف علي أسرته ومعالم مصر أيضا.

وبالفعل، في أول اجازة، نزل الضابط ضيفا علي صديقه المصري، وكانت قريبة والدتي غاية في الجمال، لها بياض الثلج وعود ملكات الجمال، وما أن رأت الضيف، إلا وقررت ان تتزوجه. واعترضت الأسرة، فلونه اسود وشعره اشعث، ولما تحكم علي أولادها بأن يأخذوا نفس هذا الشكل الأفريقي، وهي جميلة الجميلات؟!

ولكن وافقت رغبتها رغبة الضيف، وأعرب عن وقوعه في غرامها، ورغبته في زواجها، وهي أصرت على رغبتها، فقد لمحت فيه كريزما وشخصية خاصة، لها وقار وهيبة لم تر مثلها من قبل. وتم الزواج بناء علي اختيارها، وسافرت لبلدته.

وبعد مرور بعض الوقت، وقعت حروب عنده وأطاح الشعب برئيسهم وانتخبوه هو رئيسا لهم .. نعم!

لا تتعجبوا! فأصبح رئيسا للبلاد وتغيرت الأحوال، وسافرت معه إلى جميع بلدان العالم، زوجةً لرئيس بلد عربي شقيق .. نعم. حباها الله بنظرة ثاقبة، وعقل واع، وبصيرة مستنيرة، وصدقت كل هذا باصرارها على الاختيار.

تذكرت كتاب الأب الغني والأب الفقير لروبرت تي كيوساكي، والصراع الذي دار في خلد الكاتب، حيث حباه الله بأبين مثاليين، واحد عالم أكاديمي يحمل أكثر من شهادة علمية لأكثر من جامعة، ودخل في سلك العمل الأكاديمي، وتنقل من مستوي اجتماعي ومادي الي آخر، متحملا أعباء ضريبية وتأمينية تفرضها الدولة كلما تحسنت الأحوال. وفي النهاية هو رجل فقير، وكان يحث ابنه روبرت دائماً علي اتباع خطواته من تفوق دراسي، ليعمل في شركة من الشركات الكبرى.

أما الأب الأخر، فكان تعليمه كاف لمزاولة أعماله. هو أيضا يحث ابنه على التعليم، ولكن لكي يشتري الشركة التي يعمل بها الأخرون .. هو أب غني، استخدم عقله في دراسة المال دراسة مستفيضة، وكيف لنا استثماره والحصول عليه، والموازنة بين المدفوع والمردود. وهدفه أن يدفع مرتبات عدد من الموظفين الذين يعملون لديه في الشركة ..

وعلم المال وكيفية الحصول عليه واستثماره، لا يدرس في المدارس أو الجامعات. حتي من حصل علي شهادات في المحاسبة والمالية والتجارة، لا يجيد بالضرورة التعامل مع المال.

ووقع روبرت في الاختيار بين مسيرة الأب الفقير، العالم الجليل، وبين مسيرة الأب الغني، الذي لم يعر للتعليم الأكاديمي أهمية كبرى، بقدر ما أعطي لدراسة المال.

اختار روبرت أن يتبع خطوات الأب الغني، فأصبح غنيا أيضا ..

أتذكر صديقة لي، أحبها زميل لها في أيام الجامعة …

حب عفيف، بلا تلميح ولا تصريح، وكان زميلها متفوقاً دراسياً، وكان من الأوائل، وقد تعرفت عليه ضمن مجموعة من الاصدقاء المشتركين. ومرت السنه الدراسية الأخيرة، وتقابل مع صديقة مشتركة لهما، وطلب عنوان صاحبتنا او تليفونها الأرضي – فلم يكن قد اخترعوا المحمول بعد.

ورفضت البنت، متعللة انها لم تستأذن صاحبة الشأن، ولم يتوصل إليها، وضاعت الفرصة المتاحة والاختيار، بلا ذنب لأحد في هذا. وتزوجت صاحبتنا وانجبت، ودخلت ابنتها نفس الجامعة وحكت لها عن ترقي رئيس للجامعة جديد، وذكرت اسمه – فإذا به هو نفسه زميلها القديم .. ضياع هذه الفرصة ليس لها ذنب فيه ..

المهم أن نحسن الاختيار، ونقدر هبات الحياة التي تأتينا علي طبق من فضة، فنأخذها وتزخر بها حياتنا، ولانغفل عنها وندير لها ظهورنا فتضيع الفرصة المتاحة .. ولكن اذا ضاعت منا فرصة لسبب خارج عن ارادتنا، فلا ذنب لنا في هذا.

اللهم اختر لنا الأفضل، ودبر لنا الأمور، واعنا علي الحياة ومافيها، ونور بصائرنا، حتي نري الأمور في وضعها الصحيح.

بواسطة
منى حسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى