
أشعر بالسعادة يا جدي لأنك أحضرتني إلي شارع المعز، وخاصة في شهر رمضان. يا لها من أجواء رائعة! وزينة تملأ الشوارع، وسعادة الجميع بالشهر الكريم.
حسناً يابني، لقد شعرت بما كنت عرفته مني عندما أخبرتك بمظاهر الفرحة لاستقبال شهر رمضان، وقررت أن تأتي معي إلي هنا.
هل تخبرني يا جدى عن طقوس زينة رمضان؟ متي ظهرت وأين؟
حسناً يا سامي، زينة رمضان تقليد رسمي في الأساس، ففي عهود الدول الإسلامية التي حكمت مصر، من الفاطمية والمماليك وغيرهم. ويعد العهد الفاطمي هو الأكثر ارتباطا بالاحتفاء بالمظاهر الدينية، حيث كانوا يعلقون الفوانيس في الشوراع، بجانب الزينة المختلفة، وترجع أصول زينة رمضان إلى الليالي الدينية في الدولة الفاطمية، وكانت تسمى “ليالي الوقود”، ويقوم الناس برفع القناديل والفوانيس فوق المآذن ساعة الإفطار ويتم إنزالها يوميا عند ساعة الإمساك.
وقد تطورت الزينة في العصر الحديث بعد دخول الكهرباء في نهاية القرن التاسع عشر، كما يرجع الاحتفال في مصر بشهر رمضان مع بداية الدولة الفاطمية، فقد كانوا يحتفلون به من خلال فتح أبواب الأزقة والشوارع والمدينة كلها حتى صباح اليوم التالي، ويتم تزيين الشوارع بلافتات عليها شعارات الدولة واسم الحاكم، مع إنارة المساجد بالمسارج، ثم اتخذت شكلا جديدا مع الفانوس الذي تم اختراعه لاستقبال المعز على أبواب القاهرة وهو قادم من تونس عام ٢٦٢ هجرية.
فكرة الزينة يا بني اعتمد عليها الصحابي وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب الذي أمر بتزيين كل مساجد الدولة احتفالا بقدوم شهر رمضان، وإضاءة جميع المساجد لتمكيين المسلمين في شتى بقاع الدولة من أداء صلاة التراويح بسهولة، ومن هنا أصبحت تلك العادات «رمضانية» دائمة ومستمرة، أما الزينة في الشوارع فبدأت في عهد الدولة الطولونية، حيث أمر خلفاؤها بتزيين الشوارع بالقناديل، إلى جانب المساجد، احتفالا بقدوم شهر رمضان، واستمرت خلال العصور التي تلت عهد الدولة الطولونية، لكن الموضوع أخذ شكلاً أكبر وأشبه بالشكل الموجود في شوارع مصر حاليا، وكان هذا في عهد الدولة الفاطمية التي انتشر فيها كثير من عادات المصريين في الاحتفالات، مثل حلاوة مولد النبي، والفوانيس، وزينة الشوارع، وغيره.
متي ظهر الفانوس يا جدي؟
معنى كلمة فانوس وأصل كلمة فانوس يعود إلى اللغة الإغريقية التي تعني أحد وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس في بعض اللغات اسم “فيناس”، ويذكر أحد المؤلفين، ويدعى الفيروز أبادي مؤلف كتاب القاموس المحيط، إلى أن أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام)؛ لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام.
كان الفانوس في بداية الإسلام يستخدم كوسيلة إنارة، يهتدي بها المسلمين عند ذهابهم إلى المساجد في الليل. أما بالنسبة لأصل الفانوس وبداية استخدامه، يوجد عدة حكايات بهذا الشأن منها أن الخليفة الفاطمي كان دائما ما يخرج إلى الشارع في ليلة رؤية هلال رمضان لاستطلاع الهلال، وكان الأطفال يخرجون معه يحمل كل منهم فانوس ليضيئوا له الطريق، وكانوا يتغنون ببعض الأغاني التي تعبر عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان.
ورواية أخرى يابني، وهي أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يجعل كل شوارع القاهرة مضيئة طوال ليالي رمضان، فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس على كل مسجد، وتتم إضاءتها بالشموع.
ورواية أخرى أيضا بأنه لم يكن يسمح للنساء بالخروج سوى في شهر رمضان فكن يخرجن ويتقدم كل امرأة غلام يحمل فانوس لينبه الرجال بوجود سيدة في الطريق حتى يبتعدوا، مما يتيح للمرأة الاستمتاع بالخروج، ولا يراها الرجال في نفس الوقت، وحتى بعدما أتيح للمرأة الخروج بعد ذلك، ظلت هذه العادة متأصلة بالأطفال حيث كانوا يحملون الفوانيس ويطوفون ويغنون بها في الشوارع.
والجدير بالذكر أن أول من عرف استخدام الفانوس في رمضان هم المصريون منذ قدوم الخليفة الفاطمي إلى القاهرة قادما من الغرب، وكان ذلك في اليوم الخامس من شهر رمضان لعام ٣٥٨ هجرية، خرج المصريون في مواكب من رجال وأطفال ونساء حاملين الفوانيس الملونة لاستقباله، وبهذا تأصلت عادة الفانوس وأصبحت رمزا رمضانيا، ثم انتقلت هذه العادة من مصر إلى معظم الدول العربية، وبذلك أصبح فانوس رمضان جزءا أصيلا من تقاليد شهر رمضان.
وسواء كانت أي رواية هي الصحيحة، فسوف يظل الفانوس وزينة رمضان عادة رمضانية رائعة تجلب السرور والبهجة على الأطفال والكبار وتحتفي بقدوم شهر رمضان المبارك، خصوصا لدينا في مصر، وهي عادة تنتقل من جيل لآخر للكبار والصغار، حيث يلهو الأطفال ويلعبون بالفوانيس الصغيرة، ويقوم الكبار بتعليق الفوانيس الكبيرة، والزينة على المنازل والمحلات.
بالفعل يا جدى أنتظر حلول تلك اللحظات بفارغ الصبر كل عام، وأريد منك أن تخبرني أيضاً عن أجواء شهر رمضان الكريم والعادات الخاصة به.
حسناً يابني غداً سيكون هناك حكاية جديدة عن الشهر الكريم.