أصول الروشنة

لطفية النادي

أول مصرية تحصل علي إجازة الطيران

إذا كنت ممن يؤمنون بأن المرأة كائن جبان يعشق الخوف؛ لأن كما يقولون بالعامية المصرية “الستات قلبها رهيف”، فهذه المقالة هي أكبر رد علي هذه الشائعة؛ لأنها تتحدث عن كابتن لطفية النادي، أول كابتن طيار مصرية تقتحم مجال الطيران.

ولكن لم يكن الأمر يسيراً؛ لأنها دخلت مدرسة الطيران رغم معارضة والدها، وتفوقت في هذا المجال وحققت إنجازات فيه، وشجعت العديد من الفتيات للعمل في مجال الطيران، ولذلك لفتت نظر هدي شعراوي، التي قامت بمساندتها وتوجت قصة كفاحها في فيلم وثائقي يحتفي بهذه البطلة المصرية.

عندما قررت لطفية النادي الإلتحاق بمدرسة الطيران، رفض والدها أفكارها لتعلم الطيران، ولكنها إلتحقت بالمدرسة دون علمه، وعملت سكرتيرة بمدرسة الطيران، وكانت تسدد مصروفات المدرسة بمرتب وظيفتها، وكانت والدتها هي السند الوحيد لها؛ لأن والدها كان يخشي عليها من هذه المهنة الخطرة.

تفوقت لطفية في مجال الطيران، وحققت فيه إنجازات مُشرفة حقا، ويكفي أنها أول فتاة مصرية عربية إفريقية تحصل علي إجازة الطيران. وتعد لطفية أول إمرأة مصرية تقود طائرة بين القاهرة والإسكندرية، وثاني إمرأة في العالم تقود طائرة منفردة، إذ تمكنت من الطيران بمفردها بعد ثلاث عشرة ساعة من الطيران المزدوج مع “مستر كارول”، كبير معلمي الطيران بمدرسة الطيران في مطار ألماظة.

وقد تلقت الصحافة الدعوة لحضور الإختبار العملي لأول طيارة “كابتن” مصرية في أكتوبر 1933. كما شاركت لطفية النادي في العديد من مسابقات الطيران، وكان من بينها سباق دولي أقيم في مصر عام 1937 من القاهرة إلي الواحات، وإشترك في هذا السباق 14 طيارا وطيارة من مختلف جنسيات العالم، وجاء ترتيب لطفية في المرتبة الثالثة بين السيدات المشتركات. وبذلك فتحت لطفية الباب لبنات جنسها لخوض تجربة الطيران المثيرة.

شجعت جرأة لطفية النادي وشغفها بالطيران العديد من الفتيات المصريات ليقتدين بها، فلحقت بها دينا الصاوي وزهرة رجب ونفيسة الغمراوي وليندا مسعود، “وهي أول معلمة طيران مصرية”، وبلانش فتوش وعزيزة محرم وعايدة تكلا وليلي مسعود وعائشة عبد المقصود وقدرية طليمات، ثم أحجمت فتيات مصر عن الطيران بصفة نهائية، فلم تدخل مجال الطيران فتاة مصرية منذ عام 1945. ولكن هذا الإحجام لا يعني عدم دعم نساء مصر لمهنة الطيران، فقد تلقت لطفية النادي الدعم والمساندة من المناضلة المصرية النسوية هدي شعراوي.

فعندما فازت لطفية النادي في أحد السباقات، أرسلت لها هدي شعراوي برقية تهنئة تقول فيها: “شرفت وطنكِ، ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفخر، بارك الله فيكِ.”

كما تولت هدي شعراوي مشروع إكتتاب من أجل شراء طائرة خاصة للطفية، لتكون سفيرة لبنات مصر في البلاد التي تمر بأجوائها أو تنزل بها، وتبين للجميع مقدرة المرأة المصرية علي خوض جميع المجالات. وبسبب الإهتمام الكبير الذي حظيت به لطفية النادي كان لابد من الإحتفاء بها.

ففي عام 1996 تم إنتاج فيلم وثائقي تناول قصة كفاح لطفية النادي بعنوان “الإقلاع من الرمل” من إخراج وجيه جورج. وفي هذا الفيلم سُئلت عن السبب الحقيقي وراء رغبتها في الطيران، فقالت أنها كانت تريد أن تكون حرة.

وفي عام 1997، حصل الفيلم علي الجائزة الأولي للمجلس الأعلي للثقافة في سويسرا، وفي عام 2014 إحتفي جوجل في نسخته العربية بوضع صورتها علي صفحته الرئيسية في ذكري مولدها. وهذا الإحتفاء هو أقل تكريم لهذه البطلة المصرية التي لا يعلم عنها الكثير للأسف.

لا أبالغ حينما أقول أن التاريخ هو خير معلم، ولطفية النادي كشخصية تاريخية تعلمنا أن المرأة المصرية قادرة علي خوض أي مجال بشجاعة وجرأة دون خوف أو ذعر، حتي ولو كان هذا المجال خطرا مثل مجال الطيران، الذي إقتحمته بجسارة، وتحدت إرادة والدها من أجله، وأبهرت الجميع بإنجازاتها التي توجت في فيلم وثائقي يمجد قصة كفاحها.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى