أصول الروشنة

قلب الثورة الرحيم – حكمت أبو زيد

أول مصرية تتقلد منصب وزيرة

كنت أقول لنفسي دائما أنه لابد وأن هناك في التاريخ إمرأة تجرأت وإبتلعت حبوب الشجاعة، لتفتح الباب للمرأة المصرية لتولي المناصب القيادية، مثل العمل في الوزارات والسفارات والشئون القضائية ورئاسة الجامعات وما إلي ذلك من المجالات، التي كان يصعُب علي المرأة المصرية إقتحامها لسنوات عدة. إنها السيدة العظيمة حكمت أبو زيد، أو قلب الثورة الرحيم، كما أطلق عليها الزعيم الوطني الراحل جمال عبد الناصر.

تكمُن عظمة السيدة حكمت أبو زيد في نضالها وكفاحها من أجل تعليمها، حتي حصلت علي رسالة الدكتوراة من جامعة لندن، بالإضافة إلي نضالها الوطني المُشرف، وإنجازاتها المُبهرة كوزيرة للشئون الإجتماعية، وكقلب الثورة الرحيم. والمُدهش في حياة السيدة حكمت أبو زيد هو تكريمها ليس فقط في مصر ولكن في بلدان عربية شقيقة مثل ليبيا والمغرب.

لم يكن تعليم حكمت أبو زيد باليسير، فبالرغم من تشجيع والدها لها علي مواصلة تعليمها، إلا أنها واجهت معارضة شديدة من أعمامها الذين كانوا يريدون منعها بسبب “تخلفهم الذهني والعقلي”، كما تري حكمت.

وكانت حكمت تعيش في قرية في محافظة أسيوط، وكانت المشكلة أن مدرستها الإبتدائية والإعدادية أيضا تبعد عنها مئات الأمتار، ولكنها تمكنت من الذهاب إلي مدارسها والتخرج منها، وتدرجت في التعليم حتي إلتحقت بقسم التاريخ بكلية الأداب جامعة القاهرة.

وكان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين الذي تنبأ لها بمستقبل واعد. ثم حصلت علي الماجيستير من جامعة سانت أندروز بإسكتلندا، ثم علي الدكتوراة في علم النفس من جامعة لندن بإنجلترا.

لم تكن حكمت أبو زيد طالبة عادية، حيث بدأ نشاطها السياسي منذ أن كانت طالبة بالصف الثانوي في مدرسة حلوان الثانوية للبنات، وتزعمت ثورة الطالبات داخل المدرسة ضد الإنجليز والقصر، مما أثار غضب السلطة، ففُصلت من المدرسة، وإضطرت لإستكمال تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة بالإسكندرية. وبعد حصولها علي الدكتوراة من جامعة لندن، إنضمت لفرق المقاومة الشعبية حتي كانت حرب 1956، فبدأت تتدرب عسكريا مع الطالبات، وسافرت إلي بورسعيد مع سيزا نبراوي وإنجي أفلاطون. ولقد شاركن في كل شيء من الإسعافات الأولية حتي المشاركة في المعارك العسكرية وعمليات القتال ضد العدو.

تم إختيارها في العام 1962 عضوا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي، وخاضت مناقشات حول بعض فقرات الميثاق الوطني مع الرئيس عبد الناصر حول مفهوم المراهقة الفكرية، ودعم العمل الثوري، مما أثار اعجاب الزعيم بها. وفي أوائل الستينات أصدر جمال عبد الناصر قرارا جمهوريا بتعيينها وزيرة للدولة للشئون الإجتماعية.

إن لقب ” قلب الثورة الرحيم” نابع من إنجازات حكمت أبو الزيد العظيمة داخل وزارة الشئون الإجتماعية، فقد نجحت في تحويلها من مجرد وظيفة إدارية تنفيذية لتنفيذ القوانين واللوائح إلي حركة دينامية لخدمة المجتمع والأسرة والطفولة.

فقد كانت صاحبة مشروعات قومية كبري، ومن تلك المشروعات: مشروع الأسر المنتجة، ومشروع الرائدات الريفيات، ومشروع النهوض بالمرأة الريفية، ومدت نشاطها لجميع القري والنجوع بالجمهورية بإنشاء فروع للوزارة.

ومن إنجازاتها التي لا تُنسي، إشرافها علي مشروع تهجير أهالي النوبة بعد تعرضها للغرق عدة مرات مُتأثرة بقول الرئيس الراحل عبد الناصر حينما قال لأهل النوبة: “سيكون لكم وطن وسنكون لكم مثل الأنصار للمهاجرين”. وترجمت هذه العبارة إلي مشروع كامل في القري النوبية الجديدة مابين كوم أمبو وأسوان، وحرصت علي نقل النسيج والبنيان النوبي كما كان قبل الغرق.

وكللت جهودها العظيمة بالتكريم داخل مصر وخارجها، فقد منح معمر القذافي حكمت أبو زيد نوط الفاتح العظيم من الدرجة الأولي، فيما منحها الملك الحسن الراحل ملك المغرب سيفه الذهبي النادر رغم أنه لم يكن يمتلك سواه.

لم تكن حكمت أبو زيد أول وزيرة مصرية فقط، ولكنها كانت ثاني سيدة في العالم العربي تتولي منصب وزيرة بعد الدكتورة العراقية نزيهة الدليمي، ولم تكتف حكمت بالمنصب فقط بل عملت جاهدة لتحقيق العديد من الإنجازات التي خلدت إسمها في التاريخ وفي الوجدان المصري والعربي.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى