العلاقات الأسرية

علاقات سامة

هناك علاقات سامة ومجهدة تستنزفك وترهق روحك. ابتعدي عنها سيدتي، فهي تزيدك ضغطاً، وتسبب حالة من الضيق، بل وأحياناً حالة اختناق. سأتحدث عن بعض هذه العلاقات.

شاع استخدام مصطلح توكسيك toxic، أو سام، فكل منا محاط بأفراد، وكل منا يتعامل مع أفراد من الأسرة، أخ أو أخت، خال، عم، ابن عم، ابنة خال، والكل يتعامل مع أفراد في العمل. كما لدى معظم الناس عدد من الأصدقاء والصديقات. وطبعاً هناك الزوج أو الزوجة. فما المقصود بعلاقة سامة؟ وما المقصود بهذا المصطلح الذي انتشر استخدامه في عصرنا هذا؟ وهل يمكننا تحديد نوع العلاقات ونعت بعضها بالسام؟

نعم، وسأجيب عن هذه التساؤلات.

فأي علاقة في الدنيا هي علاقة ثنائية، علاقة يقوم بها طرفان – الصديقة وصديقتها، الام وابنتها، العم وابن الأخ، الزميل والزميلة، الأخ واخته، الزوج والزوجة. ولأن أي علاقة تقوم على هذين الطرفين، فلا بد أن يكون هناك توازن في الأخذ والعطاء، أي يجب أن تكون العلاقة علاقة شراكة، علاقة مثل الشركة.

لا يوجد ما يسمى بالحب غير المشروط

ولا يوجد ما يسمى بالحب غير المشروط، حتى بين الأم وابنها أو ابنتها. فالام تتوقع الشكر والامتنان والبر. صحيح أن حب الأم هو الطرف الأكثر عطاءً وأكثر تضحية، ولكن حتى هذه العلاقة السحرية التي تكاد تكون مقدسة، تحتاج إلى الرعاية من الابن والابنة. فالأم لا تنتظر الكثير، ولكنها تتوقع أيضاً الحب والحنان.

أما عن بقية العلاقات، وهذا ما يشير إليه علم النفس، فيجب أن تكون علاقات متوازنة. فربما كان هناك أحد الطرفين أكثر عطاءً، ولكن لا بد للطرف الأقل عطاءً أن يُشعر الطرف العطاء من حين لآخر بالامتنان والتقدير. وهذا شائع بين الازواج، فالزوجة قد تشعر بالذبول أو الانكسار لأن زوجها لا يقدر دورها كزوجة وأم، رغم أنها من الممكن أن تبذل الكثير والكثير إذا ما شعرت بالتقدير والامتنان.

فيجب أن تكون العلاقة متبادلة (reciprocal) بين الزوج والزوجة، فيتبادلان المسئولية، كما يتبادلان الرحمة والمودة. وليس من الضروري أن يكون العطاء مماثلاً، ولكن لا بد أن يكون متبادلاً. وإذا ما شعر الزوج أو الزوجة أن طرفاً ما يبذل مجهوداً ضخماً، ولا يجد إلا القليل في المقابل، فتتحول العلاقة إلى علاقة سامة. ومعنى سامة هنا، أن الطرف المعطاء سيشعر بالتذمر والتوتر والعصبية المفرطة التي تتهم الكثير من الزوجات.

الزوجة تشعر بأنها مجهدة ومرهقة، ولا تشعر بالحب والامتنان أو التقدير أو حتى الأمان. فيزداد الشجار وتزداد الجفوة، حتى يصلان إلى الاصابة بالخرس الزوجي، أو حتى الانفصال الكامل بالطلاق.

وهذا التعريف ينطبق أيضاً على الصداقات. فالصديق هو الأخ أو الأخت الذي لم تلده أمك، والصداقة لا تقاس بالسنوات، ولا تقاس بالأوقات السعيدة أو بعض الخروجات المرحة. ولا تقاس بالضحكات والصور المفرحة على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكنها الاهتمام. الاهتمام بتفاصيل الآخر وحياته.

الصداقة الحقيقية هي بذل المجهود في الاستماع الايجابي للصديق عند الضيق. الصداقة هي هذه العلاقة المريحة، والتماس الأعذار عند انشغال أحد الطرفين. الصداقة هي دعم الصديق في كل القرارات التي يتخذها صديقه، حتى وإن بدا مخطئاً. الصداقة هي التجاوز عن بعض العيوب، والتقبل المتبادل، واحترام المساحة الشخصية لكل طرف.

والتوازن في العلاقة هو الأساس. فلا يمكن أن تستمر علاقة في حالة أن هناك طرفاً هو المبادر دائماً أو الداعم دائماً. وليس حقيقياً أن شخصاً ما دائم مشغول طيلة الوقت. فيكون عذره أنه ليس لديه الوقت للسؤال على الصديق. فنحن من نخلق الوقت ونصنعه، ونخصص وقتاً لصداقتنا، وإن كان هذا الوقت بضع دقائق خلال أسبوع كامل مشحون.

وتتحول العلاقة هنا إلى علاقة سامة، عندما يعتبر أحد الطرفين أن الآخر حق مكتسب، بحق العشرة والسنوات. ولكن تذبل الصداقة – أو تموت. فهذا دائماً اعتقاد الطرف الأناني في العلاقة، فلا يضحي بالوقت أو يبذل المجهود، ورويداً رويداً تتحول علاقة الصداقة، وأحياناً تكون صداقة العمر، إلى علاقة سامة ومجهدة.

هناك طرف دائماً يبذل الوقت والمشاعر والاجتهاد، للابقاء على هذه العلاقة، وهذا ما يطيل من مدة التواصل، بينما الطرف الآخر في سبات أو تبلد. وكما يقول الإنجليز، It takes two to tango، أي لا يمكن أداء رقصة التانجو الجميلة إلا في حضور الطرفين. وهذه الحكمة تنطبق على كل العلاقات بلا استثناء.

إذا شعرتي أنك في علاقة مجهِدة، وغير مريحة تزيدك توتراً أو غضباً، وشعرت أنك دائماً الشخص الذي يهتم ويعطي بلا مقابل، حتى لو هذا المقابل بسيط، نصيحتي لك، أن تبتعدي تماماً عن هذه العلاقة المرهقة، فهي علاقة سامة – تسمم الجسد والروح والنفس. هي علاقة تعطيك طاقة سلبية غير مريحة.

ابتعدي! اهربي! حتى وإن كانت هذه العلاقة مع أحد أفراد الأسرة.

تجنبي هذه العلاقة، ولا تضيعي وقتك، ولا تستثمري مشاعرك إلا في علاقة متوازنة وسوية.

فكل العلاقات كالزرع أو الزهرة. تترعرع وتنتعش في ظل الرعاية والاهتمام، وتذبل وتصاب بالجفاف ثم الموت مثل النبات المهمل.

مع الإهمال والجحود والانانية يموت كل الحب وينتهي.

بواسطة
نهاد هليل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى