أصول الروشنةكنوز تراثية

صفية زغلول: أم المصريين وصاحبة بيت الأمة

لم تكن صفية زغلول مجرد زوجة للزعيم الوطني سعد زغلول، وحاملة لاسمه؛ لأن اسمها الحقيقي كان صفية مصطفى فهمي، فقد اعتبرها المصريون أم المصريين، وذلك بسبب وطنيتها ودفاعها عن القضية المصرية. وكان بيتها هو بيت الأمة، وساندت زوجها في مشواره السياسي ورفضت ترك المعترك السياسي حتي بعد وفاته وتوفيت عام 1946.

لقد استحقت صفية زغلول لقب “أم المصريين” عن جدارة بسبب دفاعها المستميت عن القضية العربية بشكل عام والقضية المصرية بشكل خاص، وأُطلق عليها هذا اللقب عندما ألقت السكرتيرة الخاصة بها بيان على المتظاهرين، حينها هتف أحد المتظاهرين بأم المصريين، ومنذ ذلك الحين وهي تُلقب بأم المصريين.

وكان هذا البيان في قمة الروعة ونص على “إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد إعتقلت سعداً ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، و أن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أماً لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية.”

وليس من الغريب أن يُسمي بيتها “بيت الأمة”، فلم يكن بيت الزعيم الوطني سعد زغلول وزوجته المناضلة المصرية صفية زغلول بيتا عاديا، بل هو البيت الذي رُفع من خلاله أعلام الهلال والصليب ضد المستعمر البريطاني، فهو تجسيد لروح الوطنية.

وعلاوة علي ذلك، احتضن هذا البيت الكثير من المناضلين والمفكريين السياسيين والكُتاب أمثال “علي أمين” و”مصطفي أمين”، وكانت السيدة صفية بمثابة الأم والمُعلم لعلي أمين وأخيه مصطفي أمين اللذان تربيا تحت رعايتها في بيت خال والدتهما “سعد زغلول”، فإعتبرت الأمة كلها هذا البيت العظيم في ذلك الوقت مُلتقى ومنارة للثقافة والوعي والنضال.

كانت السيدة صفية زغلول خير سند لزوجها المناضل طوال حياته السياسية، فقد خرجت في صفوف النساء المتظاهرات المُنددات بالاحتلال الإنجليزي والمطالبة بحصول مصر علي إستقلالها من قبضة الإنجليز.

وعندما نُفي سعد زغلول إلي جزيرة سيشل، طالبت المندوب البريطاني بالإنضمام إلي زوجها في المنفى، إلا أن المندوب رفض ذلك، ولكن بعد حملها لواء الثورة بعد نفي زوجها، فكر المندوب البريطاني في الأمر ووجد أن خطورة صفية زغلول مُماثلة لخطورة زوجها، لذلك غير رأيه، وقرر الموافقة على نفيها مع زوجها. ولكن صفية هي الأخرى قامت بتغيير رأيها عندما شعرت أن واجبها تجاه وطنها أكبر وأعظم من واجبها تجاه زوجها، وأن وطنها يحتاج إليها أكثر.

كانت صفية تخرج في المظاهرات وتُلقي خطابات تُشعل الحماس في نفوس المصريين وتدفعهم علي المُضي قدما. و كان لها أثر كبير في ظهور الشعارات والتنديدات حتى أن أول الشهداء في تلك المظاهرات كانت من النساء مما أشعل الغضب في النفوس.

واستمرت صفية زغلول في مساندة زوجها عند توليه الوزارة عام 1924، فكان لها موقف عجيب إزاء  تولي زوجها هذا المنصب العظيم. فعندما توالت الوفود إلي بيت الأمة لتهنئتها على الوزارة الجديدة، قالت صفية لهم: “يجب أن تقدموا لي العزاء وليس التهنئة، إن سعد زغلول هو زعيم الأمة وهو الآن في مكان أقل بكثير، فما قيمة رئاسة الحكومة مقابل زعامة الأمة؟” وعندما إستقال سعد زغلول من رئاسة الوزارة إستقبلته صفية مُبتهجة قائلة: “هذا أسعد يوم في حياتي، مهمتنا الكفاح وليست تولي المناصب.”

بعد رحيل الزعيم الوطني سعد زغلول عام 1927، عاشت زوجته الوفية المخلصة صفية عشرين عاما، لم تتخل خلالها عن نشاطها الوطني، لدرجة أن رئيس الوزراء آنذاك “إسماعيل صدقي” وجه لها إنذارا بأن تتوقف عن العمل السياسي، إلا أنها لم تتوقف عن العمل الوطني وكأن شيئاً لم يكن.

توفيت المناضلة الشريفة صفية زغلول في 12 يناير 1946، ولم يكن لها أبناء من سعد زغلول وإكتفت بعملها الوطني وكونها أما لكل المصريين الوطنيين الشرفاء، ولم تتزوج بعد وفاة زوجها العظيم لحبها وإخلاصها الشديد له ولذكراه العطرة، لذلك كتبت وصيتها قبل وفاتها بأيام تُوصي فيها بتركتها إلي خدمِها.

ولا يسعنا أن نقول عن السيدة صفية زغلول إلا أنها مناضلة وصاحبة تاريخ وطني عظيم ومُشرف، فقد تبنت القضية المصرية ودافعت عنها دفاعا مستميتا، وناصرت زوجها المناضل الوطني سعد زغلول، فإستحقت عن جدارة لقب أم المصريين وإستحق بيتها لقب بيت الأمة.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى