
إن مقتل شيرين أبو عاقلة، صحفية الجزيرة الفلسطينية الأمريكية، أثناء تأدية عملها لنقل الحقيقة للعالم، هو أكبر دليل علي إنتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها الإحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وشيرين أبوعاقلة – كما يعلم الجميع – إمرأة مسالمة وسيرتها الذاتية خير دليل على ذلك. والطريقة التي ماتت بها ليست الأولى من نوعها، فوفاتها توثق سلسلة المذابح التي يرتكبها الإحتلال في حق الفلسطنيين الشرفاء. وجنازتها كانت مبكية وحزينة، وخرج العديد من الفلسطينين ليشيعوها إلى مثواها الأخير.
وبعد وفاتها، أدرك العالم بأن موتها كان جريمة لا تغتفر. وما أحزنني كثيراً على المستوى الشخصي، هو بعض الناس المتعصبة ضيقة الأفق التي لاتعلم شيئا عن الرحمة والإنسانية التي إدعت أن شيرين ليست شهيدة بسبب ديانتها المسيحية. ياللعار!
تاريخ شيرين أبو عاقلة السلمي
ولدت شيرين أبو عاقلة في القدس سنة 1971، وعاشت فترة في أمريكا لتحصل علي الجنسية الأمريكية. ودرست الفن المعماري والصحافة، وعملت كمراسلة صحفية لقناة الجزيرة العربية لمدة 25 عاما.
وكانت أبو عاقلة واحدة من الأسماء البارزة في الشرق الأوسط، وذلك للسنوات التي قضتها في نقل ما يحدث على الأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد كانت حقا صحفية لامعة في العالم العربي ومصدرا للإلهام لكل الفلسطينيين والعرب، خاصة النساء.
ماهي جريمة شيرين الكبرى، إذاً؟ لماذا قتلوها بدمٍ بارد؟ لقد كانت تنقل الحقيقة إلي العالم لا أكثر ولا أقل.
كيف ماتت شيرين أبو عاقلة؟
كيف ماتت أو إستشهدت شيرين أبو عاقلة، إذا؟ ماتت شيرين ضربا بالرصاص أثناء تغطيتها غارة قامت بها قوات الدفاع الإسرائيلية علي مخيم جنين في الضفة الغربية، بالرغم أن الشهيدة كانت ترتدي صديري أزرق مكتوب عليه كلمة الصحافة لتخبر الجميع أنها صحفية تؤدي عملها الصحفي فقط.
لم يرحموها حتى في جنازتها
حتى في جنازتها، هاجمت الشرطة الإسرائيلية المسلحة بالهراوات حاملي نعش شيرين أبو عاقلة، وبالرغم من الإضطرابات العنيفة التي وقعت في جنازتها، إلا أن عشرات الآلاف من الفلسطينين حضروا جنازتها التي كانت واحدة من أكبر الجنازات التي اُقيمت في القدس. ولوح المشيعون علم فلسطين وغنوا مرددين “فلسطين! فلسطين!”، مما أغضب الشرطة الإسرائيلية، التي أمرت المشيعين بالتوقف عن غناء الأغاني الوطنية وإلا سيقوموا بإيقاف سير الجنازة بإستخدام القوة، كما أن هناك فيديو يوضح أن العنف الذي إستخدمته الشرطة الإسرائيلية ضد المشيعين بدأ قبل بداية الجنازة.
رد فعل العالم إزاء مقتل شيرين أبو عاقلة
كان للعالم رد فعل لما حدث لشيرين أبوعاقلة، فالبيت الأبيض كان من ضمن الأصوات التي نادت بضرورة التحقيق الشامل لمعرفة المتسبب في مقتل أبوعاقلة، وقال المتحدث بإسم وزارة الخارجية السيد نيد برايس “نرسل تعازينا الحارة لأسرة شيرين وأصدقائها وأحبائها، وندين بشدة مقتلها، كما ندين مقتل الصحفيين في جميع أنحاء العالم.”
وأضاف قائلا: “ننادي بتحقيق شامل وفوري ومحاسبة كاملة. فالتحقيق في الإعتداءات على الإعلام الحر ومحاكمة الفعلة أمر في غاية الأهمية.”
كما أن المتحدث بإسم الإتحاد الأوروبي وضع فيديو يدلي فيه ببيان باللغة العربية على منصة تويتر، يقول فيه أن الاتحاد الأوروبي يدين مقتل أبو عاقلة، وقدم رسائل التعازي لعائلتها وزملائها.
وفي الدوحة، قاموا بإضاءة ناطحتين سحاب عليهما صورة شيرين أبو عاقلة والعلم الفلسطيني في ليلة من ليالي يوم الأربعاء وكل هذا الإهتمام من أجل أبو عاقلة البطلة التي تستحق لقب شهيدة الحقيقة.
شيرين شهيدة
وبناء عليه، أدين من موقعي هذا، كل من يشكك في إستشهاد البطلة شيرين أبوعاقلة، وينتقدها بسبب ديانتها المسيحية.
نحن جميعا نشعر بالحزن لمقتلها، لذلك أرى أنه من الوقاحة وبرود الأحساس نشر هذه التعليقات العنصرية في مثل هذا الوقت العصيب. ينبغي أن ندعوا لها جميعا بالرحمة والمغفرة، ولا نكف الكلام عن بطولتها وشجاعتها.
وينبغي علينا أن نلوم ونهاجم كل من يردد هذه التعليقات التي تنتقد الهوية الدينية لهذه السيدة الشريفة. وكما أقول دائما – وسأظل أقول هذا حتي مماتي – أنه ليس من شأننا أن نصدر الأحكام على الأخرين بناء على دينهم، ونقرر مصيرهم في الآخرة؛ لأن هذا هو شأن الله وحده، فلندع الخلق للخالق.
كلي إيمان صادق أن شيرين أبو عاقلة هي رمز للبطولة والإستشهاد، فطوال حياتها وسيرتها المهنية كانت تسعي وتعمل بجد لنقل الصورة الحقيقية لما يحدث في الأراضي الفلسطينية للعالم.
وكحال الكثير من الفلسطينيين الشرفاء، قتلها الجنود الإسرائليين بدم بارد واّذوها حتي في جنازتها السلمية. ولكن يكفي تضامن العالم مع قضيتها وإدانة الجميع للمتسببين في مقتلها ومواساتهم الصادقة لأهلها وأصدقائها، في الوقت الذي ينكر فيه البعض حقيقة إستشهاد أبو عاقلة؛ لأن ديانتها مسيحية.
كم أتمني أن اُخرس هذه الأصوات المزعجة التي لا تصدر سوى خطاب كراهية للأبد!
(هذا المقال ترجمته من مقالي باللغة الإنجليزية الذي نُشر عام 2022)