
توكل كرمان: أول عربية تفوز بجائزة نوبل للسلام (2011)
دائما أدعو الله في صلاتي بأن أفوز بجائزة نوبل في الأدب في يوم من الأيام، وإن استجاب الله لدعائي، وفزت بهذه الجائزة، لن أكون أول عربية تفوز بها، فقد سبقتني إليها الناشطة اليمنية توكل كرمان.
فازت توكل كرمان بهذه الجائزة عام 2011 لتكون أول عربية وأول يمنية، وثاني امرأة مسلمة، تفوز بجائزة نوبل للسلام. وكانت أيضا أصغر فائزة تحصل على هذه الجائزة، حيث كان عمرها وقتها 32 عاماً.
والحقيقة أن توكل كرمان استحقت هذه الجائزة عن جدارة، لعملها ناشطة حقوقية وصحفية وسياسية، لذلك حاربت من أجل حقوق الإنسان والمرأة، على وجه الخصوص، وحاربت من أجل حرية الصحافة، وحاربت نظام علي عبد الله صالح المستبد، وقادت مظاهرات للإطاحة بهذا الحكم الديكتاتوري.
تنتمي توكل كرمان لعائلة عريقة ذات انتماء سياسي، واهتمت توكل بتعليمها كثيرا، وحصلت على شهادات عليا. والجدير بالذكر هو هجوم والدها وأخيها عليها بسبب الدور السياسي الكبير الذي لعبته في تاريخ الدولة اليمنية.
وراء كل ثورة عظيمة نساء شجاعات
إنجازات توكل كرمان التاريخية
من أهم إنجازات توكل كرمان التاريخية، تأسيسها لمنظمة صحفيات بلا قيود عام 2005، بالتعاون مع سبع صحافيات أخريات، للدفاع عن حقوق الإنسان، ولدعم حرية الصحافة والتعبير عن الرأي. وهاجمت هذه المنظمة الرقابة المشددة على حرية الصحافة والخدمات الإخبارية عبر الهواتف المحمولة.
ونشرت المنظمة قائمة بانتهاكات الحكومة ضد حرية الصحافة عام 2007، ونظمت توكل كرمان مظاهرات ضد الفساد، وانتقدت الحكومة لاستهدافها الصحفيين، وتابعت في تنظيم مظاهرات أسبوعية دفاعا عن حقوق الإنسان.
وأخذت تجمع المتظاهرين كل أسبوع أمام مجلس الوزراء اليمني، في العاصمة صنعاء، للضغط من أجل حرية الصحافة، فأطلق على الساحة المحيطة بمجلس الوزراء اسم “ساحة الحرية”. وأصبحت ساحة الحرية النقطة الرئيسية ليرفع الشعب صوته ضد الظلم، ومنذ ذلك الحين، نظمت توكل أكثر من 100 مظاهرة سلمية واعتصاما وفعالية تضامن، احتجاجاً على القيود المفروضة على حرية الصحافة والإجراءات القضائية والحكومية ضد الصحفيين.
وتعرضت توكل كرمان لهجوم شنه قطاع الطرق خلال الاحتجاجات الأسبوعية التي كانت تنظمها مع زملائها، وواجهت حملات تشهير متكررة من وسائل الإعلام التابعة للنظام، وتعرضت لتهديدات بالقتل من الرئيس اليمني نفسه، وذلك عبر مكالمة هاتفية مع أخيها.
وأصبحت توكل مصدر إلهام للنساء في اليمن باعتبارها مثالاً للمرأة التي تحقق كل ما تريد تحقيقه بما في ذلك الإصلاحات السياسية. فكانت المرأة التي أطلقت شعار: “وراء كل ثورة عظيمة نساء شجاعات.”
دفاع توكل كرمان عن حقوق المرأة
نادت توكل كرمان بتعليم المرأة في اليمن، وذلك لتفشي الجهل والأمية بين النساء اليمنيات. وحاربت زواج القاصرات، وطالبت بجعل سن السابعة عشر السن القانوني للزواج للفتيات.
ونادت أيضا بالاهتمام بتغذية الفتيات، وذلك لمعاناة الفتيات من سوء التغذية في اليمن، في حين أن الاهتمام بالتغذية السليمة موجه كله للفتيان.
وفي حوار صحفي لها عام 2010، تحدثت عن النساء اليمنيات وقالت: “يجب أن تتخلى النساء عن الشعور بأنهن جزء من المشكلة، بل باستطاعتهن إيجاد الحلول. لقد تم تهميشنا لفترة طويلة، ولكن حان الوقت الآن للنساء أن يقفن على أرجلهن، ويعملن بجد ونشاط، دون الحاجة لطلب الإذن أو الموافقة من أي جهة. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع بها أن نقدم شيئا لمجتمعنا ونسمح لليمن بالوصول إلي الإمكانات الكبرى التي يتمتع بها هذا البلد.”
كفاح توكل كرمان السياسي
كان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح حاكما ديكتاتورياً، وظل في الحكم طيلة 34 عاما ليكون صاحب ثاني أطول فترة حكم من بين الحكام العرب.
لذلك قادت توكل كرمان احتجاجات ضد الفساد الحكومي، وكان هدفها هو الإطاحة بنظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وأصرت على موقفها، خصوصا بعد أن استولى زعيم محلي فاسد على أراضي القرى المحيطة بمدينة إب.
وتقول كرمان أنها بالرغم من علاقاتها الكثيرة مع منظمات أجنبية وشخصيات سياسية مرموقة، إلا أن ما يحركها دائما هو حسها الوطني وحبها لبلدها، وأنها ليست مأجورة أو تابعة لأحد. وفي حديثها أمام الجمهور في جامعة ميتشيجان، لخصت مسألة انتمائها السياسي الحقيقي وقالت: “أنا ببساطة مواطنة في هذا العالم. الأرض بلدي والإنسانية أمتي.”
وقد سُجنت كرمان عدة مرات بسبب نضالها السياسي واحتجاجاتها المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وبسبب مواقفها السياسية، وإصرارها على إحداث تغيير جذري في الحياة السياسة في اليمن، اضطرت أن تترك بلدها وتستقر في تركيا إلى وقتنا هذا، وحصلت على الجنسية التركية لأن أصولها تركية.”
ومن منزلها الجديد في إسطنبول، تواصل كرمان التحدث ضد الظلم المرتكب في اليمن، بما في ذلك الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والهجمات الأمريكية بطائرات بدون طيار في وطنها.
حياة توكل كرمان الشخصية
ولدت توكل كرمان في السابع من فبراير عام 1979 في شرعب السلام، بمحافظة تعز باليمن، وهي ثالث أكبر مدينة في اليمن، وتوصف بأنها مكان للتعلم في بلد محافظ، ووقد تلقت توكل تعليمها في تعز.
والدها عبد السلام كرمان، وهو محامٍ وسياسي، وقد عمل من قبل وزيراً للشؤون القانونية في حكومة علي عبد الله صالح، ثم استقال من منصبه. كما أنها شقيقة طارق كرمان، وهو شاعر، وصفاء كرمان، وهي محامية وأول مواطنة يمنية تتخرج من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وتعمل أيضا صحفية في قناة الجزيرة. تزوجت توكل كرمان من محمد النهمي وأنجبت منه ثلاثة أطفال.
تعليم توكل كرمان
لم تكن توكل كرمان فتاة مدللة، بل كانت جادة تهتم بتعليمها ومستقبلها الأكاديمي، حيث عملت بجد حتى حصدت شهادات عليا من داخل اليمن وخارج البلاد. فقد حصلت توكل كرمان على درجة البكالوريوس في التجارة من جامعة العلوم والتكنولوجيا، ودرجة الدراسات العليا في العلوم السياسية من جامعة صنعاء. وفي عام 2012، حصلت على درجة الدكتوراة الفخرية في القانون الدولي من جامعة ألبرتا بكندا.
رد فعل أهل توكل كرمان على نضالها ونشاطها السياسي
انتقد عبد السلام كرمان، والد توكل، علنا أسلوب ابنته وطريقتها في المعارضة أثناء جلسة رسمية لمجلس الشورى، معتذرا لزملائه عما يبدر من ابنته توكل قائلاً: “لم أتعود في حياتي أن أجامل، ولذلك فإنني أعلن وأتأسف أن ابنتي، التي تنتسب إليَ، لا تستمع لكلامي.” واعتذر عما يبدر منها من “قلة أدب في الخطاب”، الذي يتمثل في اللغة التي تستخدمها في نقد نظام الرئيس علي عبد الله صالح والموالين له، مشددا في نفس الوقت على أن لابنته الحق في أن تعارض و”لكن لتكن مؤدبة” في أسلوبها وطريقتها.
وبالرغم من التكريمات التي انهالت على توكل كرمان لجهودها السلمية في محاربة الفساد ودعم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في وطنها، فقد دعا طارق عبد السلام كرمان شقيقته توكل للتوبة والاعتذار للوطن عن الدماء التي سالت، والخراب الذي لحق باليمن، نتيجة ثورة الشباب “المشؤومة في 2011″، مضيفاً: “والله لو تحصدين مائة جائزة دولية، فلن تُغنِ عنكِ شيئا أمام الله وأمام شعبك وأمام التاريخ … ولن ينفعك إلا ما قدمتيه لأمتك وشعبك، ولن يشفع لكِ عند الله من الدماء التي تسيل والخراب الذي حل باليمن … توبي إلى الله وإعتذري للوطن”.
ويبدو من الواضح عدم مساندة أبيها وأخيها لها في مشوارها السياسي، ولكن لم يعطلها ذلك عن عملها الجاد وتركيزها الشديد على قضية بلدها، وعملها السلمي لدعم الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير.
أثبتت توكل كرمان للعالم أن التغيير لا يحدث بالضرورة بقوة السلاح، بل أن السلاح الأكثر نجاعة هو قوة العقل، والعمل السلمي الجاد، وهذا ما فعلته. ولذلك استحقت جائزة نوبل للسلام عن جدارة.
ولم تكن جائزة نوبل الجائزة الوحيدة التي حصلت عليها كرمان، ولكنها حصدت جوائز دولية أخرى، مثل حصولها على جائزة الشجاعة من السفارة الأمريكية.
ولأنها امرأة مثابرة، فقد حققت نجاحات على المستوي الأكاديمي والمهني، مما أهلها للنضال السياسي الذي عملت من خلاله على محاربة الفساد الحكومي والديكتاتورية، وتكميم الأفواه وإجهاض حرية الرأي والديمقراطية.
ومازالت تناضل حتى الآن، بالرغم من بعدها عن وطنها.