
الملازم أول ابتسامات محمد عبد الله
عندما فكرت جديا في كتابة مقالة عن أول ضابطة مصرية في الجيش المصري، كنت أعتقد أن أول ضابطة تلتحق بالجيش المصري كانت في فترة الستينات أو السبعينيات. ولكني صُعقت عندما علمت أن السيدة إبتسامات محمد عبد الله هي أول مصرية تلتحق بالجيش المصري خلال حرب فلسطين عام 1948!
ولم يكن إلتحاقها بالجيش المصري بالأمر اليسير، فهناك قصة وراء هذه الخطوة الجادة في حياة السيدة إبتسامات. وظهرت جرأتها وبسالتها في حرب فلسطين، الأمر الذي جعل الملك فاروق شخصيا يقوم بتكريمها، ولكنها لم تُكرم في العصر الحديث، مما جعلها تثور وتغضب لهذا الأمر حتي إهتم المشير حسين طنطاوي بقضيتها وكرمها في عام 2011.
وعن إلتحاقها بالجيش المصري، تروي السيدة إبتسامات محمد قصتها كأول ضابطة برتبة ملازم أول فتقول: “كنت أحب التمريض وأمارس التطبيب خياليا مع لعباتي. أربط رأس العروسة وأضع لها شريطا أحمر، وأطلب لها الإسعاف. و في يوم وجدت إعلانا في الصحيفة يطلب فيه الهلال الأحمر متطوعات لدراسة التمريض. قدمت ودرست نظريا وعمليا وتخرجت بعد عام، ووجدت إعلانا أخر في الصحف يطلبون فيه متطوعات للجيش، فذهبت وإجتزت المعاينة، وكانت المسؤولة عن الإختيار هي وصيفة الملكة فريدة زوجة الملك فاروق، وهي الشخصية المشهورة ناهد رشاد، زوجة الدكتور يوسف رشاد. وكانوا يأخذون بنات العائلات فتم قبولي وتم توزيعنا علي مستشفيات مصر.”
وعندما إشتدت الحرب في فلسطين بين العرب وإسرائيل في عام 1948، وكانت هناك حاجة شديدة لممرضات للسفر لفلسطين لمداواة الجرحي، تم إختيار السيدة إبتسامات محمد. وتقول عن ذلك: “ذهبنا بالقطار حتي غزة. كانت المعارك شديدة، وأعداد الجرحي لا حصر لها. كانوا من كل البلاد العربية، من السعودية واليمن والسودان وغيرها. وكان يوجد ألماني واحد تطوع لحرب إسرائيل إسمه هانز ورغن. كان من غير المسلمين، لكنه مؤمن بقضية فلسطين.”
وتواصل السيدة ابتسامات السرد قائلة: “كنا نذهب للخنادق وميادين القتال لنضمد جراح الجنود الذين لا تتطلب مداواتهم وجودهم في المستشفي. وأثناء وجودنا، جاء الملك فاروق إلي فلسطين، وقبل حضورنا. فاتني أن أقول أننا تسلمنا رتبا عسكرية وكانت رتبتي الأولي ملازم.”
وعن تكريم الملك فاروق لها، تروي السيدة إبتسامات أنه عندما رجع الملك فاروق إلي القاهرة أمر بإعطائها هي وزميلاتها ساعات قيمة فيها تاريخ زيارته لغزة، وكانت هدية ملكية تاريخية. ومع الساعات منحهن الملك فاروق نوط الجدارة من الذهب ونجمة فلسطين.
وعن غضبها بسبب إعفاؤها دون تكريم، تقول السيدة إبتسامات: “بعد سنوات تنكر الجيش لنا بوصفنا من أوائل الضباط في الجيش المصري، وتم إعفاؤنا بدون تكريم أو حتي كلمة شكر، فغضبت لهذا الأمر. فقد كنا جنودا وحاربنا وذهبنا لميادين القتال، وإذا متنا فسوف نموت شهداء، فالصواريخ كانت تحيط بنا من كل مكان. غضبت لهذه الخطوة، وهيجت الدنيا بواسطة وسائل الإعلام، وتصدرت القضية الصحف وإحتلت صورتي غلاف مجة “أكتوبر” التي وزعت أضعاف توزيعها، فسأل طنطاوي وزير الدفاع عن هذا الأمر فحكوا له، وقام بإستدعائي وأقام لي تكريما كبيرا جدا وكان ذلك في عام 2011.”
أثبتت السيدة إبتسامات محمد عبد الله، وغيرها من النساء المصريات الباسلات، أن بإمكان المرأة المصرية النزال والمقاتلة، وإقتحام ميادين الحرب و ليس فقط ميادين العمل، فهذه الضابطة المصرية حاربت في حرب فلسطين المجيدة، ولم تكن أقل من أي جندي عربي حارب في تلك الحرب الضروس، فإستحقت التكريم في وقت الملك فاروق وفي وقتنا المعاصر هذا.



