
القعار وصاحب الحمار الكحيان
عم إحسان عايش على الرزق الكلمة الطيبة في امان،
لا يبالي من أحداث الأرض فكلها أقدار.
أصابه خير، حمد وشكر. أصابه شر، ارتضا وقال الحمدلله ربي هو الرحمن.
وفي يوم، بعد أن انتهى وأفرغ من الصلاة، أراد أن يشتري من السوق حلوى لاحفاده ومعه حماره يمشيان، والسوق يبعد عنه بكثير، ويسمى بسوق الوديان.
فوجد في الطريق سقا، فطلب منه ماء ليشرب وليسقي حماره ليشربان ويرتويان. ثم وجد أحد التجار فوق حصانه، وكان يدعى بين التجار القعار، وسمي بهذا من كثرة التباهي بنفسه بإلقاء ما في جوفه للبسطاء من احتقار.
وقال القعار وهو فوق حصانه لعم إحسان: أنت لذلت صاحب الحمار الكحيان.
ابتسم عم إحسان والتفت إلى طريقه وتركه دون أن يرد عليه وقال لنفسه لكني إنسان.
وبعد عدة أيام وجد عم إحسان مُنادي يقول: محاكمة القعار سوف تقام في الساحة أمام قصر الملك وهدان!
أحب عم إحسان أن يسأل عن سبب محاكمة القعار، فعلم أنه متهم بقتل حمار صانع الفخار في أخر المدينة. وبدأت محاكمة القعار، وظل يقول مظلوم، وكنت بعد صلاة في السوق، وصاحب الفخار يكذب، حتى أسألوا عم إحسان! رأيته عند السقا وكان يسقي الحمار.
فطلب القاضي استدعاء السقا وعم إحسان، فطلب عم إحسان الكلمة وسأل القعار، ولما لم تطلب شهادة أحد من السوق، الست كنت هناك؟
قال القعار: بلى، لكن بصراحة أعلم إنكم أكثر الأمناء وستشهدون بالحق.
قال عم إحسان: وكيف تأمن لشهادة صاحب الحمار الكحيان؟
قال القعار: أعلم أنني اخذني غروري وتعاليت عليكم بالكلام.
قال عم إحسان: أسأل الحمار، فإن أجاب عليك أنت بأمان!
قال القعار: وكيف يجيبني الحمار؟ أنت تعجزني يا عم إحسان!
قال عم إحسان: أحضر برسيم، وضع الماء في إناء بعيد، وإن جاء لك الحمار فسأشهد أنا والسقا بما رأيناه.
وظل القعار ينادي على الحمار، ويتوسل لينقذه من العناء، حتى ذهب إليه الحمار وأكل من البرسيم وشرب الماء. سأل القاضي: ولما فعلت هذا يا عم إحسان؟
قال: كنت اريده أن يعتذر للحمار! وإن ذهب الحمار، فهكذا قبل الحمار الاعتذار!
ثم تابع وقال عم إحسان: بالفعل القعار مر علينا ونحن بالطريق، وكنت استريح وأسقي الحمار، وجاء القعار على حصانه ثم تعالى علينا واهاننا وقال لي لذلت صاحب الحمار الكحيان!
وسأل القاضي السقا: هل هذا ما تم؟
قال السقا: بالفعل هذا ما تم وشهدناه.
فقال القاضي لصانع الفخار: إذن، أنت تكذب!
قال صانع الفخار: نعم.
فقال: ولما اشتكيت وافتريت كذبًا على القعار؟
قال: كنت اريد حمارًا، لأنني تعبت من حمل الفخار وأريد عربة بحمار.
قال القاضي: إذن ستسجن بتلك التهمة.
وتكلم عم إحسان وقال: يا قعار، أصفح عن صاحب الفخار!
فأجاب القعار وقال: لقد صفحت عنه وسامحته كما سامحتني يا عم إحسان! وهل جزاء الإحسان إلا إحسان؟ ولك مني حمار بعربة يا صحاب الفخار؛ لأني تعلمت من عم إحسان بأن الكحيان هو من يفتقر التواضع والأدب وحسن الكلام مع أي إنسان.