أصول الروشنة

الأم العاملة المثالية – مفيدة عبد الرحمن

أول إمرأة مصرية تعمل بالمحاماة

لازلت أذكر دخولي قاعة المحكمة العام الماضي، وجلوسي علي أحد المقاعد الخشبية، لأتأمل المحاميات الشابات بردائهن الأسود وحقابئهن السوداء الجلدية، ووقوفهن في القاعة بثبات وشموخ وثقة كبيرة بالنفس.

واتذكر جيدا إعجابي بهن لإصرارهن علي التفوق في مثل هذا المجال الصعب، الذي يغلُب عليه الطابع الذكوري. وتسألت وقتها: “من هي تلك الفتاة الجريئة الشجاعة التي قررت إمتهان مهنة المحاماة لأول مرة في مصر؟”

وبفضل الله، وجدت الإجابة علي هذا السؤال هذا العام، وإكتشفت أنها السيدة مفيدة عبد الرحمن، التي إختارت مجال المحاماة دون قصد منها، فهناك قصة كبيرة وراء دخولها هذا المجال الذي تفوقت فيه، وكان لها به إنجازات عظيمة. وظلت مفيدة عبد الرحمن تعمل محامية حتي قررت التقاعد في سن الثمانين، ولُقبت بالأم العاملة المثالية لجمعها بين تربية الأبناء والعمل الجاد.

كيف دخلت السيدة مفيدة عبد الرحمن عالم المحاماة؟

كانت السيدة مفيدة عبد الرحمن متفوقة دراسيا منذ طفولتها، وكانت تحلم بدراسة الطب، ولكنها تزوجت قبل أن تُكمل العشرين من عمرها من الكاتب الإسلامي محمد عبد اللطيف، الذي شجعها علي إستكمال دراستها، واقترح عليها دراسة القانون، فوافقت.

وروت السيدة مفيدة أنها فوجئت بعد تقديم أوراقها برفض عميد الكلية قبولها عندما علم أنها زوجة وأم، وأصر علي مقابلة زوجها للحصول علي موافقة كتابية منه، وقد نجح زوجها الداعم لها في إقناع العميد الذي إستغرب من إصرار زوجها علي دخولها الكلية، لتصبح مفيدة عبد الرحمن أول فتاة تدرس الحقوق في مصر، وأيضا أول زوجة تدخل الجامعة، وهي أم لابنها الأكبر عادل، وتخرجت منها وهي أم لخمسة أبناء، وأصبحت فيما بعد أول أم تتخرج من الجامعة.

بعد التخرج تألقت السيدة مفيدة عبد الرحمن في مهنة المحاماة، وكانت نموذجا مشرفا للمرأة المصرية العاملة، لما حققته من إنجازات عظيمة يعجز الكثير من الرجال والنساء علي تحقيقها.

ومن أبرز إنجازاتها: الشهرة التي حققتها بعد أول قضية تولتها وترافعت بها، وكانت قضية قتل غير مُتعمد حيث إستطاعت الفوز بالقضية، وتمت تبرئة موكلها، لدرجة أنها كانت تذهب للمحكمة وهي حامل.

وأيضا اُختيرت للدفاع عن زميلتها الناشطة درية شفيق، التي تم إستدعاؤها إلي المحكمة بعد أن إقتحمت البرلمان مع 1500 إمرأة، وتمكنت السيدة مفيدة من تأجيل القضية لأجل غير مسمي.

وفي عام 1959، أصبحت المحامية مفيدة عبد الرحمن عضوا في البرلمان عن الغورية والأزبكية، وكانت نائبة ناشطة لمدة سبعة عشر عاما علي التوالي، كما كانت المرأة الوحيدة التي شاركت في أعمال لجنة تعديل قوانين الأحوال الشخصية، إلي جانب مشاركتها في القوانين التي تنظم مسائل الأسرة المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث، الحاسمة في إعادة تشكيل النظام القانوني، للتكيف مع التقدم الذي أحرزته المرأة، لتكون ضمن القوي العاملة والمشاركة في الحياة العامة داخل مصر.

بالفعل أفنت السيدة مفيدة عبد الرحمن حياتها في المحاماة والعمل الجاد، وأبهرت الجميع حقا عندما تقلدت مناصب مثل: عضويتها في مجلس إدارة بنك الجمهورية، ونقابة المحامين، ومجلس الإتحادات الجامعية، والمؤتمر الوطني للإتحاد الإشتراكي، والإتحاد الوطني، ومجلس هيئة البريد، وعملت أيضا علي تأسيس جمعية “نساء الإسلام”، وشغلت منصب رئيس الجمعية لعدة سنوات. وقررت التقاعد نهائيا عندما بلغت الثمانين من عمرها.

و نظرا لعملها الناجح في المحاماة والبرلمان، ومع تربيتها لتسعة أبناء فقد اُطلق علي السيدة مفيدة لقب “الأم العاملة المثالية” و قد إحتفي بها موقع جوجل، أكبر و أشهر محركات البحث علي الإنترنت، في يناير 2020، في ذكري مرور 107 أعوام علي ميلادها حيث ولدت عام 1914.

حقا أثبتت السيدة مفيدة عبد الرحمن للجميع أن المرأة المصرية يمكنها التفوق والعمل بجدية، مع كونها زوجة و أم. فقد درست في الجامعة وهي زوجة وأم، وتخرجت منها وهي أم لخمسة ابناء، وعملت وحققت إنجازات عظيمة حتي وصل عدد أبنائها لتسعة أبناء منهم الإناث والذكور، وظلت تبدع في المحاماة والبرلمان حتي سن الثمانين، وإستحقت عن جدارة لقب “الأم العاملة المثالية”.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى