الفنونأصول الروشنةبركة البيت

إمرأة غير إعتيادية

جلست نسمة بجانب جدتها هند وهي تتأملها بإعجاب وحب، فالجدة هند هي رمز القوة والمثابرة والتحدي والإصرار والعزيمة القوية، التي لا تعرف الكلل أو الملل. فقد كانت في شبابها محامية واعدة ناجحة، تترافع عن المظلومين، وأغلبية موكليها من النساء المظلومات في الحياة، كالأرامل والمطلقات، وكانت نسوية عظيمة تدافع عن حقوق المرأة من خلال عملها الدؤوب وكتاباتها اللاذعة.

“صفِ لي نفسك في شبابك ياجدتي.”

“لقد كنت إمرأة غير إعتيادية، تعشق كلمة “لا”، وتسير ضد التيار، ولا تمشي وراء القطيع.”

“إشرحي لي كل ذلك بالتفصيل، يا جدتي. أعطني أمثلة ووضحي لي الأمور أكثر من ذلك.”

كانت هند الصغيرة تقول “لا” لكل ما لايروق لها، فكانت تعترض على الأطعمة التي لاتحبها، والفساتين التي لاتعجبها، والأوامر التي لا تريد أن تلتزم بها وتطيعها.

وعندما أصبحت شابة، قالت “لا” بصوت عال على الإلتحاق بكلية الطب، وفضلت كلية الحقوق، وقالت “لا” وألف لا لكل العرسان الذين تقدموا لخطبتها، ولكنها قالت نعم لزميلها في كلية الحقوق … وتخرجا سويا، وتزوجا بعد التخرج مباشرة، وكان نعم الزوج والسند. شجعها على عملها والتفوق فيه، ولكنه توفي وتركها وحيدة في الحياة لتربي أبنائها الثلاثة. ونجحت في تربيتهم، وقامت بتزويجهم، حتى أصبحت جدة كبيرة في السن، ولها أحفاد، ومنهم نسمة حفيدتها الكبرى.

وكانت الجدة هند تسير ضد التيار بآرائها العنيدة ورفضها للواقع المؤلم، وفي رغبتها الدائمة في التغيير. وكان ذلك واضحا للغاية في كتاباتها التي سببت لها العديد من المشاكل، سواء من ناحية القراء أو من ناحية زملائها الذين كانوا يعتبرونها إمرأة متمردة تريد أن تكسر كل ماهو مألوف ومتعارف عليه وتقليدي في المجتمع.

“ما الذي تقصدينه بعدم سيرك وراء القطيع، يا جدتي؟”

تنهدت الجدة هند وقالت:” كنت عنيدة .. عنيدة جدا يا نسمة، ودفعت الثمن غالياً لعنادي وإصراري علي أشياء يرفضها الجميع. لم أكن أدعو إلى الرذيلة، حاشا لله، ولكني كنت ضد التخلف وإتباع عادات وأفكار لايقبلها العقل والمنطق.”

“مثل ماذا؟”

وأخذت الجدة هند تفكر وتردد: “مثل ماذا؟ مثل ماذا؟”

ثم قالت:” مثل الكثيرين، فقد كنت ضد ختان الأناث في وقت كان يعتبره الجميع أمراً عادياً، وكنت ضد قانون بيت الطاعة في الوقت الذي كان يعتبره الجميع قانون على الجميع الإلتزام به. وكنت ضد عادات متخلفة في القرى والريف يعتبرها الجميع أمراً عادياً، مثل فض غشاء البكارة بواسطة الدايات.”

“لقد تعبتِ كثيرا، ياجدتي، في نضالك في الحياة، ولكننا جميعا فخورين بكِ، وبما حققتيه في حياتك.”

“الحمد لله يا نسمة أنني جنيت ثمار ما زرعته في حياتي. فبعد النضال، يأتي جني الثمار، طالما أن النضال نبيل ولهدف سامٍ وعظيم.”

إحتضنت نسمة جدتها بحب وهمست في أذنها أنها تحبها كثيراً، ووعدتها أنها ستستكمل مشوارها؛ لأنها نسخة مُصغرة منها.

بواسطة
مي متولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى