
أيام الكلية (٣)
حتى المدرسين أحل مكانهم دكاترة، لكل ماده دكتور ومعيد لهم هيبة غير معتادة لي. فالمدرس كانت له هيبته أيضا، ولكن هنا هيبة وسلطة. فدكتور المادة بيده أن يعطيك أعلى التقديرات، وبيده ضياع سنتك الدراسية، غير عابئ بخلفية تغيبك أو تأخرك. فأنت نقطة في بحر، لا تكاد تُرى.
ووقعت فريسة للفتايين، اللي يقولك ذاكر الورق ده تنجح، واللي يقولك متحضرش تنجح، واللي يقولك اكتب أغنية ف الورقة لا أحد يقرأ. ولأن مفيش خبرة سابقة في عالم جديد علينا، ولم يسبق أن دخل أحد عندي الكلية قبلي، فأنا أكبر اخواتي وأكبر ألف أبناء العم أو الخال، فمشيت طريقي وحدي، وكونت خبرتي بنفسي، وكله كوم والعيال اللي كانوا معايا ولم أتعرف عليهم، دول كوم تاني، وبعد وقت وجدت نفسي لا أحب كليتي، ولا أهوى الدراسة فيها رغم تفوقي في الرياضيات، والتي درستها في السنة الأولى فقط واجتزتها بامتياز.
ولكن ميولي الأدبيه طغت علي فتفوقت أيضا في مادة السلوكية لدكتور علي المسلمي، أما الباقي فلم أحب فيه سوى المحاسبة؛ لأنها شبيهة بالرياضيات.
أيام الكلية (٤)
وصدق السابقون، فمرت سنوات الكلية مسرعة، وها أنا في السنة الثالثة، وبدأت المظاهرات الإخوانية في ازدياد. وكنت أرى زملاء لي لهم أنشطة داخل الكلية، ويتعاملون معنا نحن زميلاتهم بعادية وأريحية، فيأخذ محاضرة من هذه وتعطي له أخرى مذكرة.
وفجأه تحول هؤلاء الشباب، وأطلقوا اللحى، وتعاملوا معنا بخشونة وعجرفة وازدراء؛ لأننا وقتها لم نكن نرتدي الحجاب، فاعتبرونا خارجات عن الملة، وترأسوا انتخابات الاتحادات الطلابية ..
وقامت أمي في هذا العام بعمل عملية جراحية كبيرة، فظللت بجانبها قرابة شهر، لم اذهب فيه إلى الجامعة؟ حدث في هذه الفترة حظر تجول للسيطرة على الأحداث السياسية آنذاك، وكان عام ٨٦، وحصلت في هذا العام على تقدير سئ … فكانت سنة كبيسة وأحداثها كثيرة.
أيام الكلية (٥)
وجاءت السنة الرابعة … آخر فصل في هذه المرحلة … وعلمت من الطلبة أن أ. بلبع سيدرس لنا مادة التكاليف، وكان معروفاً عنه الشدة وثقل الامتحانات وصعوبة النجاح فيها، فجاهدت نفسي ودرست ملازم وكتب للمادة من سنوات عديدة سابقة.
وغير ذلك كانت أسرع سنة دراسية مرت علي .. كانت أحلامنا متناثرة في كل أرجاء الجامعة وضحكاتنا تملأ دنيانا … كلنا أمل وتفاؤل بالآتي … وجاءت ساعة الفصل … امتحانات آخر العام، وأهمها التكاليف.
وتفاجأت بأن أتى أستاذنا الفاضل بامتحان مختلف تماما عن امتحانات عشرات السنين السابقة، التي قمت بحلها، وجاء بامتحان عبارة عن سؤال واحد وله عدة نقاط … أ ب ج … وكان يتحدى فيه صعوبات الامتحانات السابقة، فجاء بالأصعب. ولكي تحل النقاط يجب عليك حل النقطه الأولى أ وهي أصعبها.
وتذكرت تعب وجهد العام كله وتحديات امتحان وصعوبته وافترضت حل للنقطة الأولى، وبنيت عليها حل باقي النقط، وخرجت من هذا الامتحان لا أرى ولا أسمع. فقد خارت قواي تماما، وذهبت إلى بيتي واستقبلتني امي، ولكني لم أتحدث معها وذهبت لغرفتي باكية، لا أدري ما ينتظرني، ونمت واستيقظت، وجدت أبي يتلطف لي، يحاول معرفة ماحدث، فقد أخبرته أمي عن وجهي السوء ودموعي المنهمرة … وأخبرته ما حدث.
حاول أبي أن يستنكر كلامي، وأنه لا يمكن أن يأتي امتحان عبارة عن سؤال واحد، فأريته الورقة، فصمت وتوقع الخسارة. وانتهت الامتحانات، والآن وبعد شهر، أعلنت النتيجة، وجاءني أخي في الساعة الثانية صباحا يحمل لي البشرى بأني تخرجت ونجحت.
فرحت فرحا شديداً، وفرح ابي وأمي، ففرحهما هذا كان هدفي في كل عام. وصبح الصباح وأنهمرت تليفونات زميلاتي لأجدهن جميعا رسبن في مادة التكاليف، وكن تحصلن على تقديرات مرتفعة في الأعوام السابقة. فخرجت مسرعة إلى الكلية لأتأكد بنفسي أني نجحت، وعندما رأيت النتيجة بنفسي، رددت أن الله لا يضيع من أحسن عملا، فالحمد لله دائما أبدا.
لقراءة الجزء الأول، انقر هنا