
لطالما بدى اسم السيدة سهير القلماوي مألوفا لي، ولكنه يُذكرني بالصوت البعيد الذي أسمعه بوضوح، وإن صعُب عليّ فهم ما يقوله صاحب هذا الصوت، وأقصد بذلك أنني كنت أعي الإسم جيدا، ولكني كنت أجهل تماما السيرة الذاتية لسيدة الأجيال سهير القلماوي وإنجازاتها في مجال الأدب.
ولكن، حمدا لله، لم أعد أجهل بتاريخ هذه السيدة العظيمة التي لم يكن لها فقط السبق في دخول جامعة القاهرة والحصول علي الدكتوراة في الأدب، وإنما كان لها السبق في أمور عدة مُتعلقة بحياتها الأكاديمية والمهنية.
وأجمل مافي حياة السيدة سهير القلماوي هو علاقتها الوطيدة بالدكتور طه حسين، وتأثرها الشديد به، وبالرغم من الكتب العديدة التي ألفتها وأثرت بها مكتبة الأدب العربي المعاصر، تبقي المجموعة القصصية “أحاديث جدتي” من أجمل مؤلفاتها، لما لها من دروس و مواعظ، ولاننسي أيضا نضالها من أجل حقوق المرأة، ليس فقط في الأدب ولكن في الحياة الواقعية أيضا.
عندما قررت سهير القلماوي دراسة الأدب العربي، أصبحت أول شابة ترتاد جامعة القاهرة وأول إمرأة بين أربعين رجل تدرس الأدب العربي. وفي عام 1941، أصبحت أول إمرأة مصرية تحصل علي درجتي الماجيستير والدكتوراة في الأداب لأعمالها في الأدب العربي.
بعد التخرج، عينتها الجامعة كأول مُحاضرة تشغل هذا المنصب. وكانت أيضا من أوائل السيدات اللائي شغلن منصب الرؤساء من ضمن ذلك رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، ورئيسة الإتحاد النسوي المصري، ورئيسة رابطة خريجات جامعة المرأة العربية.
وعلاوة علي ماسبق، كان لها السبق الأول في إنشاء مكتبة في صالة مسرح الأزبكية لبيع الكتب بنصف ثمنها، وأيضا كانت الأولي في تقديم دراسة عن الأدب المصري المعاصر إلي التعليم الجامعي، كما أعطت الفرصة لأكثر من 60 أديبا لتقديم مؤلفاتهم عندما قامت بإصدار سلاسل أدبية سُميت “مؤلفات جديدة”، ومن ناحية أخري وضعت أسسا للطرق الأكاديمية في تحليل الأدب والفن.
كتبت سهير القلماوي كتاب بعنوان “ذكري طه حسين”، وذلك للدور الكبير الذي لعبه الدكتور طه حسين في حياتها، فقد ساهم في موهبتها الأدبية بشكل كبير وشكل صوتها كأديبة، وخير دليل علي ذلك أنه خلال وجودها في جامعة القاهرة، تلقت سهير القلماوي الإرشاد من الدكتور طه حسين الذي كان رئيس قسم اللغة العربية، ورئيس التحرير بمجلة جامعة القاهرة. قام طه حسين بجعل القلماوي مساعدة رئيس التحرير في مجلة جامعة القاهرة عام 1932، وهكذا أصبحت القلماوي أول إمرأة تحظى برخصة الصحافة في مصر.
وتعد مجموعة القصص القصيرة “أحاديث جدتي” لسهير القلماوي أول وأشهر عمل لها من بين أكثر من ثمانين منشور لها، حيث تحلل القلماوي في “أحاديث جدتي” الدور الإجتماعي للإناث بإعتباره الحافظ والمجدد لتاريخ المجتمع عبر السرد الشفوي بهذا العمل. يتألف هذا العمل من قصة جدة تحكي ذكريات الماضي لحفيدتها وتستنبط الجدة الدروس الأخلاقية من ذكرياتها، وترسم مقارنة بين الماضي والحاضر ودائما ما تؤثر الماضي. تلمح القلماوي عبر هذا العمل بأن حكايات الزوجات القديمة وقصص الجدات لما قبل النوم يمكن أن تحمل رسالة نسوية عميقة.
ساهمت القلماوي في النضال من أجل حقوق المرأة من خلال مشاركتها في مؤتمرات المرأة العربية حيث نادت بمساواة الحقوق. وفي عام 1960، كانت رئيسة المؤتمر الدولي للمرأة، ثم شكلت لجنة للإشراف علي جامعة الفتيات الفلسطينيات للحديث عن إهتمامها بالقضية الفلسطينية وكان ذلك في عام 1962.
كرست السيدة سهير القلماوي حياتها للأدب العربي من خلال حياتها المهنية الثرية بالإنجازات ومؤلفاتها التي تعدت الثمانين منشورا، ولازل يحتاج الأدب العربي المعاصر لشباب جدد لديهم ذات الشغف والروح الحماسية التي كانت تتمتع بها سيدة الأجيال والأولي من بنات جنسها السيدة سهير القلماوي رحمها الله.