
أشباه الرجال
من هم أشباه الرجال؟
كنت أظن أنني أول من اخترع لفظ “أشباه الرجال”، وكنت سعيدة بهذا السبق اللغوي، حتي إكتشفت أن الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، سبقني وأطلق هذا اللفظ على شيعته من أهل الكوفة في العراق؛ لأنهم خذلوه وأغضبوه حتى وصف حلومهم كحلوم الأطفال.
وأشباه الرجال هم الرجال الذين افتقدوا الرجولة، وكل معانيها السامية. ويتضح هذا النقص في تعاملهم مع النساء على وجه الخصوص. وهناك أمثلة على أشباه الرجال في الأدب العالمي، مثل: “باريس في ملحمة الإلياذة”، وشخصية توم بيرترام في رواية “مانسفيلد بارك”، وشخصية بيرتي في رواية “أبراج بارتشيستر”.
ومن أمثلة أشباه الرجال في التاريخ، يهوذا الذي خان ثقة السيد المسيح، فلم يتصرف مثل الرجال، ولم يحترم عهده الذي عاهد السيد المسيح عليه، ووشي به وأراد هلاكه. ويعطينا التاريخ أيضا أمثلة على أشباه رجال مثل: عبد الله بن أبي بن سلول، رأس المنافقين الذي لم يحترم عهده مع النبي محمد صلي الله عليه وسلم، ويجب ألا ننسي هتلر الذي قرر أن ينتحر، ورفض أن يواجه هزيمته مثل الرجال الأشداء.
وهناك أسباب لتفشي ظاهرة أشباه الرجال وهناك أيضا حلول لمجابهة هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة.
ما هو تعريف أشباه الرجال؟
يبدو أشباه الرجال رجالاً في مظهرهم، فلديهم اللحية والشارب وتفاحة أدم، وكل مايميز الرجل ظاهرياً. ولكنهم في الحقيقة لا يتصرفون تصرفات الرجال، وعقولهم مثل عقول الأطفال.
فلا عهد لهم؛ لأنهم لا يحترمون كلمتهم، ولا يتحملون المسؤولية، ولا يترجمون عهودهم إلى أفعال حقيقية ملموسة على أرض الواقع.
ويتضح أمر أشباه الرجال عندما يتعاملون مع النساء، وتستطيع المرأة الفصل في أمر الرجل والحكم عليه بأنه رجل أم شبه رجل، فتكتشف المرأة أن الرجل ليس رجلا بحق، حين يخدعها بإسم الحب، وعندما يغدقها بالوعود الزائفة التي لاتترجم إلى أفعال حقيقية، وحين يخذلها، خصوصا في أوقات الشدة والمرض.
فإن سقطت مغشيا عليها على الأرض، لا ينجدها ويساعدها لتستعيد توازنها. ولكن يتطلع إليها، ولا يفعل شيئا، ولا يساعدها في تحمل المسؤوليات والأعباء والالتزامات، ويضع كل شيء على كاهلها، فيتركها تعمل ويجلس منعم مكرم، بل – وفي بعض الأحيان – يمضي وقته في انتظارها حتى تعود من العمل؛ لتصرف عليه وتخدمه.
أشباه الرجال في الأدب العالمي
عندما تقرأ ملحمة الإلياذة، تجد نفسك تكره شخصية باريس بلا تردد، وباريس هو الرجل الذي اختطف هيلين من زوجها مينالوس، ورفض إرجاعها لأهلها. وبسبب ما فعله، قامت الحرب ما بين اليونانيين وأهل مدينة طروادة.
طوال الحرب، لا يفعل باريس شيئا سوى مطارحة هيلين الغرام، وفي خارج قصره، يُقتل الرجال بسببه وهو لا يبالي، حتى وصفه أخوه هيكتور بأنه كسول ولا يفعل شيئا بالرغم من قوة بدنه، وعدم إفتقاده مظاهر الرجولة.
وأصف باريس بأنه شبه رجل؛ لأنه لا يبالي بالآخرين؛ ولأنه عديم الإحساس والنخوة؛ ولأنه أناني ويفكر في نفسه فقط وفي شهوته ولايفكر في أهل بلده الذين يقتلون بسببه وبسبب أهوائه الشخصية ونزواته.
أنا حقا أكره باريس؛ لأنه ليس رجلاً على الإطلاق!
أما بيرتي، بطل رواية “أبراج بارتشيستر“، فهو فنان فقير ويصرف كل أمواله على نزواته ويفتقد الإحساس بالمسؤولية. وبسبب فقره الشديد وحاجته للمال، يقرر أن يتودد لإلينور؛ لأنها أرملة ثرية، ثم يقرر أن يعترف لها أن تودده إليها بسبب حاجته الشديدة للمال، وفي النهاية لا يتزوجها.
وعلى الرغم من أن إلينور لا تحبه، ولكنها فوجئت بهذا المخطط الذي خططت له أخته التي كانت تعتبرها إلينور صديقتها. ولا اعتبر بيرتي رجلاً؛ لأنه لا يعمل ولا يقدر قيمة العمل، ويريد أن يلهو ويستمتع بالحياة طوال الوقت؛ ولأنه سمح لنفسه أن يخدع إمرأة بريئة ساذجة ويوهمها بأنه يحبها حتى يتزوجها ويستولى على مالها، وهذه ليست من شيم الرجال.
وبالنسبة لتوم بيرترام، بطل رواية “مانسفيلد بارك“، فهو الابن الأكبر للسيد توماس بيرترام والوريث الشرعي لمانسفيلد بارك، وطوال أحداث الرواية، لا يفعل توم شيئا سوى الاستمتاع بحياته وتبذير الأموال، حتى أصبح مديونا، وعانى أخوه إيدموند من سداد هذه الديون.
وفي النهاية، كادت هذه الحياة السفيهة أن تقضي عليه، حيث مرض مرضا شديدا بسبب الإفراط في شرب الخمور. وتوم ليس رجلا بسبب عدم تحمله المسؤولية وبسبب أنانيته وعدم تفكيره في أهله وإهتمامه بأمورهم وحالتهم المادية، بل ورطهم في سداد ديونه وعبثه.
أشباه الرجال في التاريخ
اعتبرت خيانة يهوذا للسيد المسيح من أشهر الخيانات في التاريخ البشري، حيث تواطأ مع الرومان ليسلمه لهم مقابل أجر. وكان يهوذا من تلاميذ المسيح، وكان مؤمنا به وبرسالته. وهذا الموقف يدل على إفتقاده لصفات الرجولة؛ لأن الرجل لا يطعن أصدقائه من الخلف ولايخونهم ولايبيع عهده مقابل حفنة من الأموال.
ولم يكن عبدالله بن أبي بن سلول رأسا للمنافقين فقط، ولكنه افتقد كل معاني الرجولة؛ لأنه كان يظهر عكس ما يبطن، وكان يتحين الفرص لإيذاء المسلمين، بينما لا يؤذي الرجل الحقيقي غيره، ولايلحق بهم الضرر، ولا يملأ قلبه الحقد والشر والضغينة والحسد وكل الصفات الوضيعة التي لاتصدر إلا عن إنسان منحدر الأخلاق وعديم الشرف.
قد ينظر البعض إلى هتلر على أنه رجل بحق؛ لأنه غزا أوروبا وكان سببا في الحرب العالمية الثانية، ولكن من وجهة نظري، هتلر ليس رجلا على الإطلاق؛ لأن الرجل الشريف ليس بلطجيا يعطي لنفسه الحق في إستعمار الدول الأخرى، ونشر الحروب بين البلاد.
وكان هتلر مؤسسا للحزب النازي الذي قضى على الديمقراطية في ألمانيا، وهو حزب دموي استخدم العنف والقتل مع كل من يختلف مع مباديء هذا الحزب البلطجي. والرجل الحقيقي لا ينشر الذعر والعنف بين الناس. كما أن الرجل الحقيقي يواجه هزيمته بشجاعة، ولا يهرب منها كما فعل هتلر الذي قرر أن ينتحر عندما علم بهزيمة ألمانيا أمام الإتحاد السوفيتي في برلين.
أسباب تفشي ظاهرة أشباه الرجال
وتعود مشكلة تفشي ظاهرة أشباه الرجال إلى التربية والنشأة، فتجد أن شبه الرجل هذا كان في الأساس صبي مدلل ولم يعتاد فعل شيء، ومسموح له بأن يفعل ما يحلو له، وتربى على أنه ينتمي إلى جنس سامي، وقد تعود على احتقار النساء واستضعافهن والاستخفاف بهن وبقدراتهن العقلية والجسدية، والنظر إليهن على أنهن وسيلة للإستمتاع وتفريغ الشهوات.
مكافحة ظاهرة أشباه الرجال
لكي نجابه هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة، لابد من تغيير أساليب التربية والتعليم، فلابد أن يتعود الشاب منذ نعومة أظافره على تحمل المسؤولية، واحترام المواعيد، والوفاء بالوعود، وترجمة الكلام والعهود إلى أفعال حقيقية ملموسة على أرض الواقع، وعليه أن يعتاد احترام الآخر، وخاصة احترام المرأة وتقديرها خصوصا تقدير قدراتها العقلية والجسدية، وجهودها في المجتمع، ومشاركتها المسؤوليات والأعباء والالتزامات، وعدم استضاعفها والتقليل منها، وعدم النظر إليها كوسيلة للمتعة.
تشجعت حقا أن أكتب هذا المقال؛ لأني رأيت أشباه رجال كثيرين في حياتي كانوا سببا في إلهامي لكتابة هذا المقال، وبسبب ما رأيته أيقنت أن هناك تعريف خاص بأشباه الرجال وأمنت أن هناك أشباه رجال في الأدب العالمي وعلى مر التاريخ، فهؤلاء الرجال يوجد الكثيرين منهم في كل زمان ومكان، وهم موجودون بيننا لأسباب ساهمت في انتشارهم، ولهذه الأسباب يوجد حلول للحد من هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة.



